صحوة الضمير «الناقصة» في تقرير الاتحاد الأوروبي

أثار التقرير المنشور في صحيفة «هآرتس» الصهيونية في الثاني من الشهر الحالي، خلافات سياسية/ دبلوماسية بين الحكومة السويدية، الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، وحكومة العدو الصهوني، انطلاقاً من الحقائق الدامغة التي تضمنتها الأرقام والاحصائيات التي استند اليها كاتبو التقرير، بناءً على مانقله قناصل دول الاتحاد الاوروبي في القدس المحتلة

فالقدس الشرقية المحتلة بعدوان عام 1967 تتعرض لعملية تهويد وصهينة مبرمجة كما تدلل مجدداً فقرات كثيرة في التقرير. فقد شهد العام 2008 الرقم القياسي في عدد سكان شرقي القدس الذين سحبت وزارة الداخلية منهم هوية «مقيم». إذ أقدمت سلطات الاحتلال على سحب  الهوية الزرقاء من 4.577  من سكان شرقي القدس، بما يعادل 21 ضعفاً عما شهدته في الأربعين سنة السابقة من عمر الاحتلال. إن مكانة أو صفة الـ250 ألفاً من سكان شرقي القدس، تحولت في ظل قوانين الاحتلال الإقصائية/ الاحلالية، إلى واقع «مهاجر» وليس مواطن مقيم، وهذا مايؤكده أحد المحامين المتابعين للقرارات الصهيونية «يوتم بن هيلل» (يتعاطون معهم كأنهم مهاجرون الى «إسرائيل»، رغم أن «إسرائيل» دخلت إليهم في 1967). مكانة مقيم، خلافا لمكانة مواطن يمكن سحبها بسهولة نسبية: يكفي أن يغادر المقيم الدولة لسبع سنوات أو يحصل على مكانة قانونية، مواطنة أو إقامة دائمة في دولة اخرى حتى تسحب منه إقامته فوراً. كما أكد التقرير على أن حكومة «إسرائيل وبلدية القدس» تعملان بموجب «إستراتيجية ورؤيا» هدفهما تغيير الميزان الديمغرافي في المدينة و«قطع شرق المدينة عن الضفة الغربية»، عبر مساعدتهما الجمعيات الاستعمارية/ الاستيطانية/ المجرمة، أمثال «عطيرت كوهانيم» و«العاد» على تطبيق هذه الرؤيا والسيطرة أساسا ًعلى منطقة «الحوض المقدس» في العاصمة. كما انتقد التقرير بشدة «بلدية القدس» على تميزها ضد الفلسطينيين في كل ما يتعلق برخص البناء، الخدمات الصحية، النظافة والتعليم. فمنذ  عام 1967 صدر 20 إذن بناء فقط في قرية سلوان. وكل سنة تعطي البلدية 200 إذن بناء فقط في الأحياء الفلسطينية في المدينة. وحسب النمو السكاني هناك حاجة لـ1.500 إذن بناء على الاقل. فعلى الرغم من حقيقة أن 35 في المائة من سكان القدس هم فلسطينيون، فقط 5-10 في المائة من ميزانية البلدية تستثمر في الاحياء الفلسطينية.
لقد شهد الأسبوعان الأخيران مداولات نشطة بين دول الاتحاد الـ27 من اجل تخفيف لغة المشروع السويدي المقدم لاجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الذي انعقد في «بروكسل» يوم الثلاثاء في الثامن من هذا الشهر، والذي تغلبت فيه الرؤية التي قادتها فرنسا من أجل تعديل وضع القدس النهائي، كما جاء في المشروع على أن «القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية» إلى صيغة نهائية تضمنها بيان الاجتماع والقاضي بأن «القدس عاصمة لدولتين». لكن حكومة العدو الصهيوني اعتبرته «تعديلاُ مهماً لكنه غير كاف». كما تضمن البيان اشارات متعددة «ملتبسة وحمّالة أوجه» عبر تأكيده على (ضرورة أن يتم التوصل إلى حل للصراع وفق قرارات الأمم المتحدة ومقررات مؤتمر مدريد للسلام وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية). وتتداخل في هذه الحلول رؤى متناقضة لايمكن التنبؤ بمساراتها التي تفضي لقيام الدولة الفلسطينية حيث يشير البيان إلى (قيام دولتين قادرتين على العيش ضمن حدود معترف بها دولياً... وأن تقوم دولة فلسطين القادمة على بقعة جغرافية موحدة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وأن تتوفر لها شروط البقاء والاستقلالية). وهذا مايعيد للأذهان التذكير بالرؤية الأمريكية التي تربط قيام تلك الدولة الموعودة بالتواصل الجغرافي وبقابليتها للحياة!
إن توصيف ما يعانيه الشعب الفلسطيني من قتل واضطهاد، وماتشهده الأراضي المحتلة من مصادرات وبناء مستعمرات وجدار فصل وضم احتلالي وحشي، ونهب للثروات الباطنية، يشكل إعادة تأكيد على «إنسانية» الرؤية الأوروبية للواقع المأساوي داخل الأراضي المحتلة، لكن الشعب الفلسطيني يطالب بأكثر من تشخيص لواقع القمع، بضرورة العمل على الانتقال إلى صيغ تنهي الاحتلال ونتائجه. لكن اللافت لنظر المراقبين كان الحرص الواضح على تفهم دول الاتحاد لـ(احتياجات «إسرائيل» ومخاوفها الأمنية)، ودعوتها إلى وقف العنف (القادم من قطاع غزة)، والذي حاول موقعو البيان أن يرفقوه بـ(التفاتة إلى الوضع الانساني في القطاع)! لقد أصر وزراء الخارجية على النظر بعيون الاحتلال للواقع المسيطر على القطاع الصامد والمنكوب بالعدوان الاجرامي الصهيوني وبالحصار الدولي له. كما لم يفوت البيان الدعوة (إلى الإفراج الفوري عن الجندي «الإسرائيلي» المحتجز جلعاد شاليط) لكنه أغفل الحديث عن وجود عشرة آلاف أسير وأسيرة في سجون ومعتقلات حكومة العدو، والمطالبة باطلاق سراحهم.
لقد أثار الاقتراح السويدي، ومسودة المشروع على مدى أيام عدة، حيوية لافتة للنظر عند سلطة رام الله المحتلة. فقد اندفع متحدثوها لتضخيم المشروع، واعتبره بعضهم «طريق الوصول لمجلس الأمن الذي سيقرر موعد اعلان الدولة؟!». هذه «الدولة» التي تضمنتها العديد من القرارات الدولية، التي وجدت طريقها إلى أدراج الحفظ ووثائق الأرشيف. لأن حصول الشعب الفلسطيني على دولته الحرة المستقلة ذات السيادة على كامل أرضه، يتطلب برنامجاً كفاحياً عربياً/ فلسطينياً، تقوم على تنفيذه قوى حركة التحرر العربية، عبر نضال طويل على الصعد كافة، العسكرية والمجتمعية والمعرفية والاقتصادية والسياسية. ولهذا فإن التعامل مع كل خطوة او توجه اقليمي ودولي يعالج قضايا الاحتلال والمقاومة، انطلاقاً من حقائق الصراع التاريخية، يجب التعامل معه بإيجابية. لكن التعلق بحبال الوهم، والرهان على سراب اللغة الدبلوماسية، لن يحقق للشعب الانتصار، بمقدار مايحقق للواهمين المزيد من المكتسبات والمنافع.

آخر تعديل على الثلاثاء, 12 تموز/يوليو 2016 15:01