بين اغتيالين...!
بين ليلة وضحاها تحولت إمارة «دبي»، صاحبة أعلى ناطحة سحاب في العالم، إلى دولة عظمى في سرعة الكشف عن جرائم الاغتيال، وانهالت عليها شهادات التقدير في المهنية العالية والحرفية النادرة لجهازها الأمني الذي استطاع- بزمن قياسي- الإعلان عن شخصيات منفذي عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح، أحد أهم القادة الميدانيين في حركة حماس. وبين ظهور إعلامي «للفريق ضاحي خلفان»، قائد شرطة دبي، مطالباً فيه من «الانتربول» ملاحقة قادة الموساد إن ثبت تورطهم في الاغتيال، وبين آخر تصريح له، مؤكداً فيه أن تنفيذ العملية لا يعتبر خرقاً لقدرة جهاز الأمن في دبي «لأن المجموعة المنفذة لم تكن تحت المراقبة وكذلك لم نكن نعلم بوجود المبحوح في دبي» يبقى اللافت أن الإمارة لم توجه إلى الآن للانتربول أي طلب ضد قادة الموساد الإسرائيلي، وهذا يتوافق للآن مع سياسة «الغموض» المتبعة في الكيان الصهيوني إزاء أي عملية اغتيال تقوم بها ولا تريد الإعلان عنها.
في رده على سؤال حول قضية اغتيال المبحوح حاول وزير خارجية الكيان الصهيوني افيغدور ليبرمان تكريس سياسة «الغموض» هذه، قائلاَ: «إن إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط موجودتان حالياً في لحظة مصيرية ونحن نتابع عن كثب التطورات الخاصة بأزمة الملف النووي الإيراني ونزاعات أخرى في المنطقة»! وهذه إشارة واضحة إلى أن عملية الاغتيال جاءت في سياق المواجهة المرتقبة بين التحالف الإمبريالي- الصهيوني وشعوب المنطقة ورأس حربتها قوى المقاومة والممانعة.
لسنا الآن بصدد عملية مراجعة أو تعداد عمليات الاغتيال الإجرامية التي نفذتها أجهزة الاستخبارات الصهيونية منذ اغتيال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت وعشرات الشخصيات السياسية والعلمية العربية في المنطقة وغيرها من العواصم العالمية. لكن القاسم المشترك في كل تلك العمليات هو تصفية كل من يقاوم أو يعيق تنفيذ المشروع الصهيوني، وهذه إستراتيجية متبعة يشرف على تنفيذها رؤساء وزراء العدو سياسياً ورئيس الموساد ميدانياً. وهي تجد غطاءها السياسي في الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ففي البيان الصادر عن وزراء خارجية الاتحاد الأوربي منذ أيام في بروكسل ليس هناك أي إشارة لمسؤولية الكيان الصهيوني عن جريمة اغتيال المبحوح، بل اكتفى الوزراء بإدانة استخدام جوازات سفر لمواطنين من بلادهم في عملية الاغتيال.
وبالعودة إلى تصريح وزير خارجية العدو حول اللحظة المصيرية التي تمر فيها المنطقة لابد من تجاوز المعطيات الإعلامية، وهي كثيرة ومثيرة للاستغراب، أو الحديث عن «الكفاءة المهنية» لأجهزة الأمن في دبي، إلى طرح افتراض منطقي وهو أن أجهزة الإعلام الغربية والإسرائيلية معنية بتصوير جهاز الموساد الإسرائيلي- بعد فشل الجيش الصهيوني في عدواني تموز 2006 وكانون الثاني 2009- بأنه القادر على إعادة الاعتبار لنظرية الردع الاستراتيجي الصهيوني في المنطقة.
وإذا كان من اللافت أنه خلال فترة زمنية قياسية تناقلت وسائل الإعلام، ومازالت مجموعة واسعة من الأسماء المنفذة لعملية ومجموعة من العواصم العالمية التي استخدمها الموساد في التحضير للعملية الاغتيال واستخدام جوازات سفر لأكثر من 10 جنسيات عالمية، فعلينا أن نتذكر مرور أكثر من 5 سنوات على اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، ومازال الإعلام الغربي والإسرائيلي والرجعي العربي يفرض حصارا مدروساً على أية معلومة قد تشير من قريب أو بعيد إلى دور الكيان الصهيوني في عملية اغتيال الحريري.
ومن حقنا هنا افتراض الاتهام أن سياسة التحالف الإمبريالي– الصهيوني والرجعي العربي أرادت آنذاك ومازالت توظيف اغتيال الحريري لإنجاح المشروع الأمريكي في المنطقة بعد احتلال العراق والزج باسم المقاومة وسورية وإيران في تلك المؤامرة على مستوى المنطقة..
وإذا كانت المنطقة الآن تعيش أخطر مراحل التصعيد والتهديدات الإمبريالية والصهيونية، فلا مناص من الاستعداد الجدي للمواجهة الكبرى المرتقبة وعدم السماح للتحالف الإمبريالي– الصهيوني في استعادة زمام المبادرة بعد أن حقق خيار المقاومة مالم يتوقعه الأعداء وبعض المترددين العاجزين عن امتلاك الإرادة السياسية للمواجهة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
فالحرب سجال، والنصر فيها معقود للشعوب وطليعتها المقاومة في هذا الزمن الذي تعصف فيه الأزمة الرأسمالية العالمية بعقر دار الإمبريالية العالمية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.