رئيس الاستخبارات الأمريكية يتبنى اغتيال مواطنيه في الخارج
قال دينيس بلير، مدير الاستخبارات القومية، إن لدى الوكالات الحكومية سياسة لتصفية الأمريكيين خارج البلاد بمقتضى «الحرب على الإرهاب».
ففي شهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، قال إن عمليات الاغتيال ستكون مبررة إن كان مواطنو الولايات المتحدة «يقومون بما من شأنه تهديد الأمريكيين»، وهو تصنيف فضفاض إلى أبعد الحدود، يمنح أجهزة الاستخبارات الأمريكية تفويضاً عاماً بتنفيذ أحكام بالموت خارج سلطة القضاء.
عمليات القتل هذه لا تتسم بالشرعية وفق القانون الدولي، لكنها أصبحت إجراءً قياسياً للجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، في ظل الشعار الملطف «أعمال القتل الموجهة». وقد أضحت شائعة الآن بوصفها جزءاً من الاحتلال العسكري الشامل للعراق وأفغانستان، إضافة إلى بلدان أخرى تستهدفها الولايات المتحدة مثل باكستان واليمن.
برزت مسألة قتل الأمريكيين على نحو خاص بالصلة مع رجل الدين اليمني، أمريكي المولد، أنور العولكي الذي ربطته الحكومة الأمريكية بشبهة محاولة تفجير طائرة الرحلة 239 التابعة لشركة نورث ويست إيرلاينز يوم الميلاد. في 24 كانون الأول، شنت الولايات المتحدة ضربات على مجمع للقاعدة في اليمن، وقد ظنت أن العولكي قد يكون واحداً من الذين قتلوا.
لم يتهم العولكي بارتكاب أية جريمة، ومع ذلك، ذكرت الـCNN أن «العديد من مسؤولي الإدارة قالوا سراً إنه واحد من المواطنين الأمريكيين في الخارج الذين يريد تجمع الاستخبارات الأمريكية التعامل معهم». لم تذكر الـCNN أسماء أخرى من قائمة المواطنين الذين سيتم «التعامل معهم».
تتبع الولايات المتحدة «سياسة محددة ومجموعة إجراءات قانونية تراقب بعناية»، مثلما زعم بلير. كما أنه قال إن وكالات الاستخبارات الأمريكية تسعى وراء «تصريح خاص»ـ من المحتمل أن يكون البيت الأبيض مصدره، مع أن بلير لم يوضح ذلك للقيام بأعمال تتضمن قتل مواطنين أمريكيين.
من جانبه، قال بيتر هوكسترا، الجمهوري النافذ في لجنة الاستخبارات، إنه كان «مندهشاً» من تقديم بلير لتصريحه في جلسة مفتوحة. وسأل: «إذن، هنالك إطار وسياسة... سبيلٌ واضحٌ لتحديد متى يكون هذا الشخص متورطاً في إطار حرية التعبير في الخارج، ومتى يكون قد تحرك في التجنيد أو في تنسيق وتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة؟».
أجاب بلير قائلاً إنه يفضل الخوض في التفاصيل في «جلسة مغلقة»، لكنه أضاف: «نحن لا نستهدف الناس بسبب ممارستهم لحرية الرأي».
حين طمأن رأس الاستخبارات الأمريكية السكان أن الحكومة لا تقتل مواطني الولايات المتحدة على أساس وجهات نظرهم وآرائهم السياسية، فقد أبرز المدى الإجرامي الذي بلغته الدولة.
تواصل إدارة أوباما، وفي حالات كثيرة تعميق مهاجمة الحقوق الديمقراطية والدستورية التي باشرتها إدارة بوش. فحينها أثارت مسألة المراقبة غير الشرعية لاتصالات المواطنين الأمريكيين عاصفةً من الخلافات. أما الآن، فتؤكد حكومة الولايات المتحدة صراحة الحق في قتل مواطنين أمريكيين في الخارج دون أي احتجاج من أي حزب سياسي.
أتت ملاحظات بلير في سياق تحذيرات متزايدة من الاستخبارات الأمريكية حول هجمات إرهابية وشيكة. قال بلير إن محاولة هجوم داخل الولايات المتحدة في غضون الشهور الثلاثة أو الستة القادمة هو أمر «مؤكد»، مردداً صدى ملاحظات أبداها قبله مدير الـCIA ليون بانيتا.
قال بلير: «حذرنا في السنوات السابقة من استمرار قيام القاعدة، والمنظمات الفرعية المرتبطة بها والإرهابيين الذين تلهمهم القاعدة، بتوجيه ضربات إلى الولايات المتحدة (..) وفي السنة الماضية، كانت لدينا أسماء تقف وراء تلك التحذيرات».
وسط هذه التحذيرات، كان جديراً بالملاحظة أن أياً من أعضاء الكونغرس لم يسأل بلير أو بانيتا عن تقارير مفادها أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تدخلت لمنع إلغاء تأشيرة دخول عمر فاروق عبد المطلب، الرجل الذي حاول تفجير الرحلة 253.
لقد قامت وسائل الإعلام والهيئات السياسية بتعتيم منهجي على شهادة المسؤول في وزارة الخارجية باتريك كندي أمام الكونغرس منذ أن أصدرت صحيفة ديترويت نيوز مقالة لها مؤخراً، عنوانها: «مشتبه إرهابي يحتفظ بتأشيرة الدخول تجنباً لفتح تحقيق أوسع».
ذكرت الصحيفة أن «باتريك كندي، وكيل وزارة الشؤون الإدارية في وزارة الخارجية، قال إن تأشيرة دخول عبد المطلب لم تسحب لأن مسؤولاً في الاستخبارات طلب من وكالته ألا ترفض طلب المشتبه الإرهابي خشية أن يتسبب الرفض في إفشال تحقيق أوسع يتعلق بتهديدات القاعدة للولايات المتحدة».
وكالة الاستخبارات المقصودة هي المركز القومي لمكافحة الإرهاب، الذي يعمل تحت إشراف مدير الاستخبارات القومية دينيس بلير.
التحذيرات الصادرة عن وكالات الاستخبارات هذه عن هجوم وشيك مثيرة للقلق. في عهد بوش، تلاعبت الحكومة تلاعباً منتظماً بالتحذيرات وبتقييم التهديدات لأسباب سياسيةـ لتبرير سياسات غير شعبية، أو تحقيق تأثير على الانتخابات أو صرف الانتباه عن معلومات محرجة. ولم يوجد لتلك التحذيرات أسس في الواقع.
في الوقت نفسه، فأي هجوم إرهابي ناجح سواء قامت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بتسهيله أم لاـ سيستخدم كذريعة لمزيد من تصعيد الحرب والهجوم على الحقوق الديمقراطية.