اليسار المصري المقاوم: الفتنة الطائفية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بغياب المشروع الوطني

ألقى الرفيق إبراهيم البدراوي كلمة حركة اليسار المصري المقاوم إلى الاجتماع الوطني التاسع للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين الذي انعقد في دمشق بتاريخ 26/11/2010، وهذا نصها:

الرفيقات والرفاق الأعزاء: باسم حركة اليسار المصري المقاوم أحمل لكم تحية حارة لمناسبة انعقاد اجتماعكم الذي جاء تتويجاً لنضال مشرف قمتم به على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والفكرية.

لقد كان لكم السبق في الكشف عن أزمة النظام الرأسمالي العاتية، تلك الأزمة التي لا حل لها، والتي تشير إلى أن هذه التشكيلة الاجتماعية ـ الاقتصادية قد انتهى عمرها الافتراضي، وأن سقوطها حتمي. بيد أن ذلك لن يتحقق سوى بنضال حاسم يخوضه الشيوعيون وكل الكادحين على مستوى العالم.

رغم ما تعانيه الرأسمالية وبسببه، فإن ثمة تطورات تجري في الولايات المتحدة الأمريكية بالذات تشير إلى تشكل نخبة جديدة هي الأكثر يمينية والأشد شراسة وعدوانية في تاريخها، ففي الوقت الذي وصل فيه 40 مليوناً من الأمريكيين إلى ما تحت خط الفقر، مع تصاعد حدة البطالة، فقد ازداد تراكم ثروات أصحاب المليارات بشكل مذهل.

قبل عشرين عاماً كان 80% من سكان الولايات المتحدة يمتلكون 48% من الثروة، انخفضت هذه النسبة الآن إلى 39% فقط. أما نسبة الـ20% الذين كانوا يستأثرون بنسبة 52% من الثروة، فقد كان من بينهم 1% يستأثرون قبل عشرين عاماً بنسبة 12.8% من الثروة صعدت إلى ما نسبته 21.9% في عام 2007، أي تضاعفت ثروتها وتضخمت راهِناً إلى درجة هائلة، نتيجة استفادتها من ضخ 700 مليار دولار لإنقاذ البنوك، أي أن الثروة قد تحركت أساساً باتجاه الاقتصادي المالي الوهمي.

لم يقتصر تأثير هذا الحراك على مجمل سكان الولايات المتحدة، ولكنه أثر بشدة على باقي الشريحة العليا في المجتمع. أي على 19% ممن يحوزون الجانب الأكبر من الثروة. وأفضى ذلك إلى تبلور حركة تمرد من بينهم تجلت فيما يسمى جماعة «حزب الشاي» الذين تنهض مواقفهم على أن حل الأزمة الراهنة يأتي من الخارج عبر إثاره الرعب في الداخل من مخاطر الإرهاب، ومن الاشتراكية والشيوعية. والترويج لفكرة الحرب كحل للأزمة.

وبناء على ذلك فإن هذه النخبة الأمريكية الجديدة التي مثلت القوة المحركة والدافعة لما أسفرت عنه انتخابات مجلس النواب الأمريكي من هيمنة القوى الأكثر يمينية، هي ذاتها التي تروج لما تعتبره فوائد جمة سوف تعود على الاقتصاد بإشعال الحرب ضد إيران.

إن ضرب إيران سوف يكون بداية لإعادة صياغة المسرح الاستراتيجي في الإقليم بتوجيه ضربات إلى كل قوى المقاوِمة والممانِعة، وإعمال سيف تقسيم بلداننا الذي ظهرت تباشيره في السودان، لإرساء الهيمنة الصهيونية الأمريكية المطلقة. بل لقد امتدت هذه النزعة شديدة اليمينية إلى العمق الأمريكي ذاته، وإلى أحياء المكارثية بتوجيه اتهامات إلى أوباما بأن لديه نزعه اشتراكية بسبب أنه، هو الذي لا يختلف كيفياً عن «بوش الابن»، قد عمل على إصدار قانون للتأمين الصحي على كبار السن. ولذلك فقد بدأوا حملة مبكرة للغاية لجمع الأموال لمنافسه في الانتخابات القادمة، ووصل ما تم جمعه حتى الآن إلى 500 مليون دولار.

هكذا تتجلى عدوانية وتطرف الجماعة الجديدة التي تحولت إلى مواقع الفاشية الصريحة. إن الامبريالية المأزومة والتي جرت وتجري عملية إلحاق الهزيمة بها وبحلفها الأطلسي وبأداتها الصهيونية في إقليمنا، تعد لخوض حرب وجود، أهم ميادينها هو إقليمنا من مشرقه إلى مغربه. ولن ينجو أحد. بما في ذلك ما يسمى «محور الاعتدال» سيئ السمعة، من المحرقة.

إن ذلك يضع كادحي شعوبنا ومن القلب منهم الشيوعيون استحقاقات هائلة لإلحاق الهزيمة بالحلف الصهيوني ـ الامبريالي.

عن مصر: تعلمون أيها الرفاق الكثير عن الأوضاع في مصر، وعن الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد بفعل سياسات سلطة الطبقة الحاكمة. لكن حدثين راهنين يشكلان صدارة المشهد السياسي الراهن في البلاد الآن، هما انتخابات مجلس الشعب، وتصاعد وتيرة الفتنة الطائفية.

بداية فإن هذه الفتنة الطائفية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بغياب المشروع الوطني، وفي القلب منه العدالة الاجتماعية، ذلك أن الردة والانتقال إلى مواقع التبعية قد شكلتا مناخاً حاضناً لهذه الفتنة التي تغذيها قوى الامبريالية والصهيونية، كأحد آليات تحقيق مشروعها.

بالنسبة لانتخابات مجلس الشعب: إن هذا الاحتقان الطائفي والفتن المتصاعدة، تشكل خطراً جسيماً لا يمكن تلافيه في ظل هذه السلطة التابعة، فكان موقفنا المعلن منذ البداية هو «مقاطعة» هذه الانتخابات التي تعمل على إرساء شرعية وهمية على السلطة الحاكمة. وثبتت في خندق المقاطعة حركة كفاية وحزب العمل «المُجمَّد» والعديد من القوى الأخرى من منابع فكرية مختلفة وحركات شبابية جديدة، وتم بذل جهد في الحوار مع الأحزاب الرسمية الرئيسية، ومع جماعة الأخوان لمقاطعة هذه الانتخابات دون جدوى.

إن موقفنا لا ينطلق من مجرد غياب ضمانات نزاهة الانتخابات، ولكن منطلقنا طبقي في أساسه. ذلك لأن الهيمنة غير المسبوقة لقوى البرجوازية التابعة، يجعل من غير المجدي البحث عن انتخابات نزيهة في ظل تكريس سلطتها. خصوصاً وأن جماهير الكادحين تدرك أن هذه السلطة هي السبب في معاناتها التي لا مثيل لها، وأن الغالبية الساحقة تقاطع الانتخابات، ولا ترى فيها، في الظرف الراهن، وسيلة لتغيير حقيقي في البلاد. ويتصاعد الاحتقان والغضب الشعبي والتحركات الواسعة المبعثرة وغير الموحدة.

في ظل المقايضة التي جرت بين النخبة السياسية المصرية، وفي مقدمها قوى اليسار بمعناه الواسع، وبين السلطة، تلك المقايضة التي تجلت في هجر هذه النخبة لبرامجها السياسية ومواقفها السابقة، والاكتفاء بما تمنُّ عليهم السلطة به. ونعني بالنخبة تلك الأحزاب السياسية الرسمية، وإلى جانب تلك النخبة جماعة الأخوان المسلمين الذي لا يختلف برنامجهم الاقتصادي الاجتماعي عن السلطة في شيء، ويعتبر مجرد منافس لها.

في ظل كل ذلك فإن السلطة قد أغلقت باب التطور السلمي في البلاد. ووضعت البلاد أمام احتمالين: الانفجار أو الانهيار.

لتجنب كل من الاحتمالين الخطيرين، ولتجنب خطر العفوية بتداعياتها، فإننا وحلفاءنا من القوى الوطنية والتقدمية قد أعلنَّا أن الطريق هو العمل من أجل التغيير، والحشد لعصيان مدني سلمي يبدأ من موقف مقاطعة الانتخابات والطعن في شرعيتها، تتلوه خطوات لإرساء تغيير حقيقي في البلاد.

إننا إذ ندرك المخاطر الهائلة الحالية التي تواجه الإقليم برمته، والاستحقاقات الجسيمة التي تنتظر كل القوى الوطنية والتقدمية فيه، فإنه لا مفر من البدء في بناء جبهة شاملة لمواجهة المشروع الصهيو ـ إمبريالي وعدوانيته وتوحشه، ولحماية كل قوى المقاومة التي تتصدى لهذا المشروع.

الآن، تلاشت تماماً المساحات الرمادية، التي كان يتحصن فيها المترددون والمتذبذبون، وخصوصاً المرتدون اليساريون، وأصبح الأمر إما أبيض أو أسود، خندقان لا ثالث لهما، إما خندق الوطنية والتقدم والعدالة الاجتماعية بالمقاومة لاستمرار الوجود، وإما خندق الاستسلام والقهر الاجتماعي والتبعية وضياع المستقبل.

في النهاية لقد آن أن تنهار الرأسمالية عالمياً. ولا أفق للمشروع الرأسمالي وطنياً. فهو لا يحمل سوى الويلات والضياع، ونضال الشيوعيين لابد أن يكون باتجاه الاشتراكية، للحفاظ على وجودنا، وإنقاذ شعوبنا والجنس البشري برمته.