د. أمين محمد حطيط: المحكمة الدولية أداة انتقام سياسي صهيونية للنيل من المقاومة
أجرت قاسيون اتصالاً هاتفياً مع المحلل السياسي اللبناني د. العميد أمين محمد حطيط، وحاورته في بعض الشؤون السياسية في لبنان والمنطقة..
إعداد وحوار جهاد أسعد محمد
• ثمة دلائل كثيرة تشير إلى أن القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية في أيلول القادم، سيوجه اتهامات لحزب الله باغتيال الرئيس الحريري.. وقد ركز خطاب نصر الله الأخير كثيراً على هذا الأمر، فاعتبر المحكمة «صهيونية»، وحذّر من الفتنة، كيف ينظر د. العميد أمين محمد حطيط إلى عمق هذه المسألة وما هي أبرز تداعياتها فيما لو صدقت التخمينات؟!
أصبح واضحاً أن إسرائيل التي تعرف قدراتها وتعرف قدرات المقاومة، باتت تدرك أنها عاجزة عن تحقيق أهدافها في لبنان بالطريق العسكري، ولهذا السبب حبكت منظومة دولية بقيادة أمريكية وعضوية أوربية وعربية، واتخذت المحكمة الدولية أداةً لتنفيذ أهدافها، وبات واضحاً أن المحكمة الدولية لا علاقة لها لا بالقانون ولا بالقضاء ولا بالعدالة.. إنما هي مجرد أداة أمريكية لتحقيق أهداف صهيونية، وهذا القول قد يثير حفيظة البعض، ولكنه بات حقيقةً قاطعة لا تخفى على أي عاقل يعلم بالقانون، أو على أي قانوني مختص. المحكمة الدولية الآن هي هيئة سياسية، والموظفون فيها يعلمون ذلك، ولهذا السبب فكل شخص يحرج في موقعه يستقيل، وكانت آخر استقالة لرئيس مكتب العلاقات العامة فيها بيتر بوستر، اعتراضاً على أن المحكمة تتخذ أداةً للعقاب السياسي، وهذه الاستقالة هي التاسعة ضمن سلسلة الاستقالات من هذه المحكمة، التي قامت بالأساس على شهود الزور، ثم أكملت أدلتها بمعطيات الاتصالات، فتبين لنا بعد السنوات الأربع أن هذه الاتصالات التي اتخذت القرين الوحيد أو قرينة الإثبات الوحيدة في المحكمة، هي صناعة إسرائيلية، حيث زرعت «إسرائيل» في شبكة الخليوي اللبنانية من خمسة إلى عشرة عملاء، يقدمون قاعدة معلومات كاملة لإسرائيل التي تحذف ما تشاء وتضيف ما تشاء، وبالتالي ما بنى بلمار قراره الاتهامي عليه هو دليل إسرائيلي، وإذا عدنا بالذاكرة إلى الماضي، نجد أن ميلس اعتمد في تقريره مرتين على ما تقدمه «إسرائيل» من معلومات، ثم إن شهود الزور الذين (أضاعوا) فرصة ثلاث سنوات على التحقيق وحرفوه بغير اتجاهه المطلوب، ألقوا أيضاً بالضباط الأربعة في السجن زوراً وبهتاناً، ورغم علم المحكمة بهذا، ورغم إسقاطها شهادة الزور، ترفض محاكمة هؤلاء خلافاً لكل ما يسمى بمنطق قانوني، بل وترفض أن تسلم الأدلة التي تدين شهود الزور حتى لا يفتضح المخطط العام.
بهذا الصدد نحن نعتبر الآن المحكمة الدولية في السياسة الأمريكية، هي تماماً كملف سلاح الدمار الشامل عراقياً، ولكن المختلف أن الوضع العراقي كان شيىء، والوضع في لبنان الآن شيء آخر.
هناك فضيحة تتناقلها وسائل الإعلام الآن عن بلمار أنه قال: إنه قلق لأنه لم يستطع أن يجد شخصاً واحداً من سورية ليتهمه، وكأن وظيفته عندما عين كانت أن يبحث عن اتهام سورية وليس البحث عن الحقيقة، وهذه الجملة وحدها في أية هيئة أو منبر قضائي كافية للطعن بنزاهة هذا الشخص وبصدقية المحكمة ووظيفتها، ولهذا السبب أعتقد أننا أمام هيئة تلفيق شامل، والرد عليها سيكون بما ينبغي حتى نمنع الفتنة في لبنان ونمنع «إسرائيل» من تنفيذ أغراضها، والكل يعلم بأن الواقع اللبناني الحالي والميدان اللبناني الحالي هو تحت السيطرة، ولن تصل أمريكا ولا «إسرائيل» من باب هيئة التلفيق الشامل إلى مبتغاها كما وصلت في العراق إلى بعض ما تريد من باب كذبة سلاح الدمار الشامل.
• ولكن الوضع في لبنان مايزال مقلقاً، وهناك فرقاء سياسيون ما يزالون يجاهرون بعدائهم للمقاومة ورهاناتهم كلها على أعدائها، ثم هناك بروز مشكلة التوطين، واستمرار الشحن الطائفي والمذهبي، ويتزامن كل ذلك مع توعد «إسرائيل» لبنان والمنطقة بأيلول ساخن.. ألا يدعو ذلك للقلق؟
الحقيقة التي نواجهها هي أن العالم كله، ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً، ولبنان أكثر دقةً، هو عرضة لموازين القوى، فلا يوجد منطق اسمه الحق أو العدالة في السياسة الدولية، وكل شيء هو في ميزان القوة إن كنت قوياً تحقق ما تريد، وإن كنت ضعيفاً تسحق ويحقق عدوك ما يريد، وفي هذا الإطار يريدون سحق المقاومة لمحاصرة سورية، ويريدون حرمان لبنان من مصادر القوة لفرض التوطين وإراحة «إسرائيل»، يريدون تغيير الواقع السياسي اللبناني حتى ينشئوا الشرق الأوسط الذي يناسب أمريكا، هذه رغباتهم، ولكن في الواقع في مسألة اجتثاث المقاومة أمر مستحيل، وفي مسألة التوطين فالتوطين مرفوض في لبنان لأننا نتمسك بحق العودة للفلسطينيين ونتمسك بكرامة الفلسطيني في لبنان كضيف وفي فلسطين كصاحب حق، وفي مواجهة المشروع الغربي هناك منظومة المواجهة والمقاومة التي تنبثق من الشعوب التي تحركت ولا مجال للعودة إلى الوراء.
أمريكا وكل المنظومة التي ذكرتها في مطلع الحديث كانت في العام 2005 أقوى بكثير في لبنان مما هي الآن، وكان الفريق المواجه أضعف بكثير مما هو عليه الآن، ورغم ذلك جاءت بحرب في العام 2006 فلا فريقها أنجدها رغم اجتماعهم في تلك الصورة الكئيبة في عوكر برئاسة كونداليزا رايس، ولا الإسرائيليون استطاعوا أن يحققوا ما يريدون وثبتت المقاومة.. الآن موازين القوى مختلفة جداً.
• كيف تقرأ هذه الموازين، لبنانياً وإقليمياً؟!
أولاً في التوصيف السياسي الفرقاء في لبنان الآن أربع فئات، فئة مقتنعة بالمقاومة وحاضنة لها، ومستعدة للمواجهة بكل ما لديها في الميدان، وشعبياً ورسمياً، وهذه الفئة بحجمها لا تقل عن نصف اللبنانيين. الفئة الثانية هي فئة متحالفة مع المقاومة، قد لا تمتشق السلاح أو تنزل إلى الميدان، ولكنها في المجال السياسي متفاهمة مع المقاومة ولصيقة بمواقفها، لا بل أكثر إن سقفها السياسي أعلى في كثير من الأحيان حتى من خطاب الفئة الأولى. والفئة الثالثة هي الفئة التي جربت السير في مركب مغاير للمصلحة اللبنانية أو المصلحة القومية والمصلحة الوطنية، وتكبدت الخسائر وعادت إلى مواقع لا نقول بأنها في صلب العمل المقاوم، ولكن في أسوأ الحالات نقول إنها لن تواجه المقاومة، ولن تسحب سلاحاً عليها، فهي في منطقة القرب السياسي والحياد العسكري. الفئة الرابعة هي التي ما تزال في المقلب الآخر، لكنها منزوعة الأظافر والأنياب، ولا يمكن أن يحسب لها حساب ميداني، لا عسكري ولا أمني، ويبقى لها قوتها السياسية لأنها في السلطة.. خارج هذه الفئات هناك بقايا نسميها «نفايات» 14 آذار، وهؤلاء لا قيمة لهم لا سياسياً ولا عسكرياً ولا ميدانياً ولا شعبياً، كل قيمتهم أنهم مرتزقة إعلاميون يتلقون الأجر وينطقون بما يتلقون، وهؤلاء يملؤون الساحة صراخاً لكنهم كفقاعات الصابون لا قيمة لهم، لذلك في المشهد السياسي نقول إن الميدان اللبناني مسيطر عليه.
أما إقليمياً، فخلال 2005 إلى 2006 كانت القلعة التي تستند إليها المقاومة وظهرها، سورية محاصرة، أما الآن فالوضع اختلف، فسورية الآن هي التي تحاصِر ولا تحاصَر، وهي حلقة وصل وجمع لقوى إقليمية منها ما هو في صلب عملية المواجهة والمقاومة، ومنها ما يبحث عن دور قريب مستقل لا يكون منخرطاً في المشروع الغربي، ولهذا السبب فإن سورية الآن هي قبلة تقصد بعد أن كانت جزيرة تحاصر، وبالتالي فإن الواقع العربي الآن أفضل بكثير مما كان عليه، وتبقى هناك دولتان عربيتان كانت قوتهما في 2005 و2006 قوة كبيرة جداً أما الآن فكل منهما غارق في شأن داخلي يلهيهما عن التدخل بالشأن الإقليمي، وهما في أحسن الحالات محايدتان في هذا الموضوع، وإن حاولتا الفعل فهما عاجزتان عن التأثير، وبهذه الصورة نقول إن الصراخ والصخب الذي نسمعه هو ضغط وتهويل وحرب نفسية وإعلامية يقصد منها أن نسلمهم بالسلم ما لم يستطيعوا أن ينتزعوه بالحرب.
ولكن ألا تظن أن هناك مؤشرات حرب واسعة ضد إيران وضد تحالفها الإقليمي، فالبوارج الأمريكية والإسرائيلية عبرت إلى بحر العرب بمساعدة الدولتين العربيتين اللتين أشرت إليهما، وهما في تحالف استراتيجي مع المعسكر الإمبريالي ضد خندق المقاومة والممانعة، أليس هذا معطى جديداً بغاية الخطورة؟
أبداً، فلو كانت إيران في موقع ضعف لكانت لعبت لعبة كسب الوقت عبر التفاوض بشروط الغرب، ولكن إيران هي في موقع قوة، والسبب في ذلك هو أن الخصم الذي يهددها بالحرب غير قادر على حربها، ويعرف أن الحصار بالعقوبات أو بالميدان لا قيمة له.
وأعطي مثلاً بسيطاً على هذا الموضوع، صدر القرار 1929 بفرض العقوبات على إيران منتصف حزيران الماضي وفي هذا القرار البند الرئيسي هو الإجازة للدول بتفتيش السفن الآتية إلى إيران في أعالي البحار، ومنذ صدور القرار حتى الآن، مضى نحو 37 يوماً، ولم تجرؤ دولة واحدة على ذلك.
• هذه ساعة صفر لأنها إعلان حرب! ويبدو أن الأمور كلها تمضي باتجاه أيلول..
لا، المهلة التي حددت في أيلول لها علاقة بالإستراتيجية الأمريكية في العراق بعد إعادة الانتشار وفي أفغانستان بعد إمساك القائد الجديد الذي حل محل ماكريستال، لأن الوضع الأمريكي مهتز في أفغانستان ومضطرب في العراق لأنه في مرحلة ما قبل الانسحاب. لذلك حدد أيلول للبدء بعملية الإمساك بالملفات، ولكن هذا لا يعني أن أيلول هو شهر الحرب، فأيلول هو شهر إعادة التوازن للموقف الأمريكي، وليس شهر إعلان الحرب، لذلك فكل ما يقال عن حرب ضد إيران نحن نرى فيه مجرد إعلام، لأن أمريكا ليست جاهزة لجبهة جديدة..
• لكن الواقع يقول إنه كلما تفاقمت الأزمة الاقتصادية العالمية، أصبحت الولايات المتحدة وحلفاؤها محكومين بالحرب أكثر، والأزمة تتصاعد وتتفاقم يوماً بعد يوم، ولا حلول حقيقية لها لا على المدى القريب ولا على المدى المتوسط، ألا تعتقد أن ذلك يجعل الحرب حتمية؟
قد يكون لهذا الأمر نفاذ إلى ميدان التطبيق في ظروف مختلفة، أما الآن فإن الأمر عكسي تماماً، والأمريكيون يحاولون ترميم أوضاعهم، وهم مقبلون على انتخابات نصفية في تشرين المقبل، لا تسمح لهم بفتح جبهة جديدة، فهم بصدد تجميد الجبهات وإقفالها، والخروج من الجبهات الحامية، وليس بمقدورهم أن يفتحوا جبهات جديدة، وهناك تقرير جديد عن وزارة الدفاع يتعلق بسلوك العسكريين ونسبة الانتحار لديهم مرعب للقيادة العسكرية الأمريكية وعلى أساسه أوصت بمعالجة الوضع الإقليمي والدولي في منطقتنا بالمفاوضات لأن الجيش قد أنهك ولا يمكن زجه في مآزق أو أتون حرب جديدة.