الولايات المتحدة، المسؤول الأكبر.. المكسيك في حالة حرب

انقضت مئة سنة على الثورة المكسيكية التي كانت بمثابة أول ثورة اجتماعية كبرى في القرن العشرين، والتي جاءت ثمرة لعمل بطولي أنجزه اثنان من الشخصيات الشعبية الأسطورية هما اميليانو زاباتا وبانشو فيلا، اللذان أعتبر فوزهما فيها انتصاراً للعمال والفلاحين والحقوق والإصلاح الزراعي والتعليم الحر غير الخاضع للدين والضمانات الاجتماعية.

الآن وبعد قرن كامل، تماثل حالة المكسيك، في كثير من النواحي، حالتها في أواخر 1910: تركيز فاحش للثروة، مصحوب بتخلف اجتماعي على نطاق واسع، وتشويه للإرادة الشعبية.

وكذلك التعدي على حقوق العمال، وإنكار السلطات للضمانات الأساسية، والتنازل عن السيادة لرأس المال العالمي، وطبقة سياسية تكنوقراطية بعيدة عن التواصل مع الأهالي، كل هذا حسبما ورد في افتتاحية جريدة «لا خورنادا» المكسيكية في 20 نوفمبر الماضي بمناسبة مرور قرن على الثورة المكسيكية.

أضف إلى هذا المشهد الكئيب، تلك الحرب- أو لنكون أكثر دقة الحروب الثلاث- الجارية: حرب تجار المخدرات للسيطرة على الدولة؛ حرب جماعات «زيتا» (عصابات إجرامية مكونة من عسكريين سابقين ورجال شرطة سابقين) تسرق الأهالي وتختطفهم، وحرب القوات العسكرية وخاصة ضد مواطنيها.

والنتيجة هي أن حال المكسيك يشابه على نحو متزايد حال «دولة فاشلة» وقعت في فخ مميت وتخضع لكافة أشكال البلطجة المسلحة: قوات شبه عسكرية وشرطة شبة شرطية؛ عصابات «قانونية» و«محررة» مكونة من القتلة؛ عملاء أمريكيون من وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة مكافحة المخدرات، وجماعات «زيتا» التي تستهدف بشكل خاص مهاجري أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية في طريقهم إلى الولايات المتحدة.

ففي كل عام يتوجه نحو 500.000 مواطن من أمريكا اللاتينية إلى الشمال، عبر المكسيك، ليخضعوا للانتهاكات والاعتقالات التعسفية والسرقة والنهب والاغتصاب.

وتقع 8 من كل 10 مكسيكيات ضحية الاعتداء الجنسي والعصابات الإجرامية، أو ُُتجبرن على ممارسة الدعارة، فيما يُرغم مئات من الأطفال على العمل.

كما يقع آلاف المهاجرين ضحية عمليات الخطف، لتجبر جماعات «زيتا» عائلات هؤلاء الضحايا- سواء في الولايات المتحدة أو بلد المنشأ- على دفع فدية مقابل الإفراج عنهم، أو قتلهم في حالة عدم الحصول على الفدية.

فتعتمد كل خلية تابعة لجماعات «زيتا» على «جزار» خاص بها لقطع رؤوس الضحايا وتقطيع أوصالهم، وحرق ما تبقى من جثثهم في براميل من الصلب. وهكذا «اختفى» في العقد الأخير نحو 60.000 لا يحملون وثائق ترخيص بالهجرة وعجزت أسرهم عن دفع الفدية المفروضة عليها مقابل الإفراج عنهم.

ويتركز العنف الوحشي هذا في بعض المدن، مثل سيوداد خواريز، بل وفي بعض الولايات المكسيكية، لينتشر الآن في بقية أنحاء البلاد (ما عدا مدينة المكسيك، وهو الأمر اللافت للانتباه).

وصنفت واشنطن المكسيك «كبلد خطير»، وأمرت العاملين في قنصليتها في مختلف المدن بإرسال أطفالهم عودة إلى الولايات المتحدة.

ولقد شنت المكسيك منذ أول ديسمبر 2006، تحت ضغط من واشنطن وقيادة الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون، «حملة ضد تهريب المخدرات» أسفرت عن موجة عنف حصدت أرواح نحو 30.000 مواطن.

فترى الرئيس كالديرون يعلن بانتظام النجاح في الحرب على عصابات تهريب المخدرات وعن اعتقال زعماء المخدرات الهامين. كما تراه سعيداً بتعبئة الجيش.

لكن معظم المكسيكيين غير راضين عن مثل هذه التعبئة لأن الجيش، الذي لا يلم بالخبرة الضرورية في هذا النوع من التدخل، يتسبب في «أضرار جانبية» تسفر عن مقتل المئات من المدنيين عن طريق الخطأ.

عن طريق الخطأ؟ ابيل هيرنانديز باريرا، الذي فاز لتوه بجائزة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان الممنوحة في الولايات المتحدة، لا يعتقد ذلك، بل على العكس.

فهو يعتقد أن الحرب على المخدرات ُتستخدم لتجريم الاحتجاج المدني: «ضحايا هذه الحرب هم أضعف الفئات: السكان الأصليون والنساء والشباب. وُيستخدم الجيش لترهيبهم وتشتيتهم، وزرع الإرهاب، وكتم الاحتجاج الاجتماعي، وتفتيت المناضلين وتجريمهم» (جريدة لا خورانادا المكسيكية).

وفيما يحدث ذلك، تعتقد إدارة الرئيس باراك أوباما أن حمام الدم المكسيكي أصبح يشكل تهديداً لأمن الولايات المتحدة. وذكرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان «التهديد (الناجم) عن الاتجار بالمخدرات يغير شكله ويرتبط في بعض الحالات مع حركات التمرد». وأضافت أن المكسيك هي اليوم مثل كولومبيا الثمانينيات.

الواقع هو أن الولايات المتحدة تحمل الجانب الأكبر من المسؤولية عن هذه الحرب. فهي أشد معارضي تشريع المخدرات، وهي موردة نحو 90 في المئة من الأسلحة المستخدمة في أعمال العنف سواء من العصابات أو جماعات زيتا أو الجيش أو الشرطة. كما أنها أحد كبار منتجي مخدر الماريجوانا وأكبر منتج للمخدرات الكيميائية مثل الأمفيتامينات وغيرها (جريدة إل نورتي، مونتي ريي، 9 سبتمبر 2010).

والولايات المتحدة هي، فوق كل هذا وذاك، أكبر سوق للمخدرات في العالم، حيث يبلغ عدد المدمنين على الكوكايين 7 ملايين شخص.

كذلك تحصد عصابات المافيا التي تعمل في أراضي الولايات المتحدة أكبر حصة من الأرباح الناتجة عن بيع المخدرات، أي بنسبة 90 في المئة من الإجمالي أو 45 مليار دولار سنوياً، مقابل مجرد 10 في المئة تجنيها عصابات أمريكا اللاتينية.

كان ينبغي على واشنطن أن تنظف بيتها أولاً، بدلاً من إملاء جيرانها مشورات (سيئة) كتلك التي قادت المكسيك إلى حرب جهنمية.

■ مدير لوموند ديبلوماتيك - أسبانيا