«الواقفون ليلاً»: معركة قانون العمل الفرنسي
مالك موصللي مالك موصللي

«الواقفون ليلاً»: معركة قانون العمل الفرنسي

شكلت حركة «الواقفون ليلاً» في ساحة الجمهورية الباريسية ظاهرة سياسة استقطبت الاهتمام بقوة لما حملته من عِبر سياسية ورسائل موجهة مباشرة للطبقة الحاكمة في فرنسا. فهذه الحركة، ولدت في خضم الاحتجاجات الصاخبة التي صاحبت المظاهرات التي نددت بقانون العمل الجديد.

في شهر كانون الثاني من عام 2006، أصدرت الحكومة الفرنسية مشروع «قانون عقد الوظيفة الأولى»، كأحد بنود خطة «بارلو» الليبرالية لزعزعة المجتمع. لم يصمد هذا المشروع سوى ثلاثة أشهر، وجرى وإلغاؤه بفعل المقاومة التي أبدتها نقابات العمال والطلاب الفرنسيين، ونزول أكثر من 3 ملايين شخص في مظاهرات شملت أغلب المدن الفرنسية.
بين تحريك السوق..
وضرب قوت الناس
اليوم، وبعد عشرة سنوات على إسقاط قانون العمل الليبرالي، تصرّ حكومة فرانسوا هولاند على المضي قدماً في تنفيذ قانون العمل الجديد، على الرغم من تمريره تكنيكياً دون العودة للبرلمان، وعلى الرغم من بدء موجة جديدة من الاحتجاجات المناهضة لهذا القانون.
تواجه فرنسا أزمة اقتصادية، هي الوجه الفرنسي لأزمة الاتحاد الأوروبي والدمج الأوروبي. فحسب الإحصاءات الرسمية في فرنسا، بلغ مستوى البطالة 10% هذا العام، وترتفع النسبة بين الشباب إلى 26%، وشهدت فرنسا خلال العام الماضي احتجاجات عدة بسبب تسريح آلاف العمال من وظائفهم.
وقال هولاند في مقابلة أجراها مع إذاعة «أوروبا 1»: «لن أتراجع لأن حكومات عديدة تراجعت من قبل.. هذا القانون سيمر لأنه نوقش وتم التشاور حوله وتصحيحه وتعديله»، مؤكداً أنه بات يحظى بدعم النقابات الإصلاحية وأغلبية النواب «الاشتراكيين».
وتواجه الحكومة الفرنسية الأسبوع الحالي موجة أخرى من الاحتجاجات الاجتماعية، وتشمل إضراباً في قطاع النقل، وقطع طرق مصافي النفط، وتظاهرات ضد تعديل قانون العمل. فيما نزل الآلاف في احتجاجات على قانون العمل الليبرالي الذي سيتسبب في فقدان الناس لوظائفهم، ورفع سن التقاعد، وتحرير سوق العمل نهائياً، بما له من آثار كارثية على حياة الناس.
وتقول الحكومة إن هدف قانون الإصلاح الجديد هو تحريك سوق الوظائف في فرنسا، وخفض معدل البطالة، في حين يرى منتقدو هذا القانون بأنه مفرط في الليبرالية، ويتخوفون من تدهور الأوضاع المتفاقمة أصلاً. وأشار هولاند إلى أن أكثر من ألف عملية توقيف جرت، وأصدر نحو 60 حكماً قضائياً منذ بدء الحركة الاحتجاجية، بالإضافة إلى إصابة 350 شرطياً بجروح في أعمال شغب.
محللو السلطة..
يغرقون الناس بالأرقام
في موازاة ذلك، تدفع السلطة الفرنسية بمحلليها الاقتصاديين لإيهام الناس بأن أقصى ما يمكن تحقيقه هو تعديلات فقط على القانون، إذ يؤكد المحلل الاقتصادي، نيكولا بافيريز، إن «فرنسا تمر بنكسة أرجعتها إلى أجواء الفوضى والأكاذيب بسبب رفض السياسيين قول الحقيقة. فهم خائفون من قيام ثورة في حال إقدامهم على إدخال إصلاحات. ولكنّ غياب الإصلاحات هو ما يؤدي إلى اشتعال الثورات». ومن أجل إصلاح ما وُصف بـ«فرنسا المريضة في أوروبا المتعفنة»، يأمل بافيريز ومجموعة من زملائه في حصول ما يمكن وصفه بـ«تعديل» ليبرالي.
هكذا إذاَ لم يبق في جعب مختلف الحكومات الفرنسية «اليسارية» الإسمية و«اليمينية» ونخبها الاقتصادية لمعالجة آثار السياسات الليبرالية سوى المزيد من السياسات الليبرالية، وهي أيضاً تأتي ضمن خطة بارلو لزعزعة المجتمع التي وضعت عام 1995 تحت شعار «دولة الرفاهية الشاملة»، هذا الشعار الذي لم يكن أقوى من الورق أمام رياح الحركة الشعبية التي خرجت في فرنسا بين فترة وأخرى ضد السياسات الليبرالية، حيث أفلست البرامج الليبرالية اليمينية والتروتسكية والاشتراكية الديمقراطية كلها أمام حل الأوضاع المعقدة في الاقتصاد الفرنسي. ولعل أحداث العنف المفتعلة التي جرت في فرنسا خلال العامين الأخيرين قد أفصحت عمن يدفع فرنسا إلى احتمالات غير محسوبة النتائج، وتصاعد النزعات المتطرفة بسبب الأزمة التي افتعلها الليبراليون وعجزوا عن حلها.
حلقات نقاش سياسي
ضراوة الاحتجاج أدت بالفعاليات الاجتماعية الغاضبة على هذه الإصلاحات والرافضة لها إلى مباشرة طرق جديدة للاستمرار في تعبئة الشارع السياسي والاجتماعي. وعلى هذا الأساس، كانت فكرة احتلال ساحة الجمهورية وتنظيم حلقات نقاش سياسي فيها طوال الليل.
تحولت ظاهرة «الواقفون ليلاً» من وسيلة لإذكاء شعلة الغضب ضد قانون العمل الجديد إلى إطلاق ورشات سياسية هدفها الأساسي خلق فضاءات حوار جديدة يعطى فيها الحق الكامل للمواطن في أن يقول رأيه في طريقة إدارة الشأن العام، ويقترح حلولاً لتحسين معيشة المواطن الفرنسي، بما ينقذ المجتمع الغارق في اللبرلة.