«إسرائيل» لا تحتمل سوى هزيمة واحدة
كل الحروب التي خاضتها «إسرائيل» ضد الفلسطينيين والعرب حرصت فيها على نقل المعارك إلى أراضي الغير، بعيداً عن جبهتها الداخلية والمناطق التي تحتلها في منطقة 48. ذلك ليس مصادفة بالطبع وإنما أصبح معروفاً للقاصي والداني.
بالمعنى الاستراتيجي فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لا تحتمل حرباً تُشن عليها.هي لم تتعود تحمل تداعيات الحرب لأسباب عديدة من أبرزها: أن ارتباط «الإسرائيلي» بالأرض الفلسطينية التي يعيش عليها هو ارتباط هش وغير عقائدي (حتى وإن بدا كذلك بالنسبة لمعسكر اليمين المتطرف). «الإسرائيليون» يدركون في صميمهم تاريخ وحقائق الولادة القسرية لهذه الدولة، ويعرفون أن أصحابها الأصليين كانوا، ما يزالون وسيظلون يطالبون فيها ويناضلون من أجل تحريرها.
في آخر استطلاع للرأي الإسرائيلي أجرته صحيفة ‘هآرتس’ فإن 40% من «الإسرائيليين» يفضلون الهجرة منها. مهما جرى في تفسير أسباب ذلك ومنها الاقتصادي بالطبع، لكن أحد العوامل المستقرة في أذهانهم: أن «إسرائيل» تفتقد إلى عنصري: الأمان والاستقرار التاريخي. لذلك أيضاً فإن الإحصاء الذي جرى العام 2007 من قبل جامعة تل أبيب أظهر ارتفاع 100% للحاصلين على جنسية ثانية من الإسرائيليين.
سامي ميخائيل الباحث الإسرائيلي في الشؤون الاستراتيجية والأديب (العراقي الأصل) الذي ترجمت بعض كتاباته إلى العربية، قال في مداخله له في مؤتمر الرابطة الدولية للدراسات الإسرائيلية، الذي تم عقده في حيفا أواخر أكتوبر الماضي: « بإمكان إسرائيل أن تتفاخر بلقب الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور. يوجد خطر حقيقي على إسرائيل، إذا لم تدرك القيادة الحالية حقيقة أن إسرائيل ليست موجودة في شمال أوروبا، وإنما في المركز النشط للشرق الأوسط المعذب، هذا الذي ليس لنا مكان فيه بعد أن جعلنا كل المحيط يكرهنا. وشددنا ليل نهار أن هذا المحيط مكروه علينا أيضاً. قد نفقد كل شيء، ودولة إسرائيل ستكون ظاهرة عابرة مثل الهيكل الأول والهيكل الثاني.»
أبراهام بورغ ابن الحاخام يوسف بورغ الذي كان مقرباً من ديفيد بن غوريون، رئيس الكنيست بين الأعوام 1999-2003 المنافس لإيهود باراك مراراً على زعامة حزب العمل، الذي تولى مناصب وزارية عديدة في «إسرائيل» ومنصب رئاسة الوكالة اليهودية في سنوات طويلة، قال لصـحـــيفة «يديعوت أحرونوت» في المقابلة التي أجراها معه الصحفي أري شاليط ونشرت يوم 8 يونيو 2007 : «إن يهودية دولة إسرائيل ستقرب نهايتها...إن إسرائيل دولة فاشية وهي قوة استعمارية شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم...إن أكثر من نصف النخب الإسرائيلية لا يريدون لأبنائهم العيش في دولة إسرائيل»، وفي النهاية نصح «الإسرائيليين» باستصدار جوازات سفر أجنبية. تصريحاته أحدثت هزة في «إسرائيل» بأرقام حالية من مقياس ريختر.
كثيرون من الكتاب «الإسرائيليين» تطرقوا إلى الارتباط الهش بين «الإسرائيلي» ودولته منهم: إسرائيل شاحاك، إيلان بابيه، ومن الشخصيات العامة: المحامية التي اشتهرت بدفاعها عن المعتقلين الفلسطينيين في السبعينيات وبداية الثمانينيات فيليتسيا لانجر، التي هاجرت مع عائلتها فيما بعد إلى ألمانيا الغربية (آنذاك وقبل توحد شطري ألمانيا). معروف أن بابيه يقيم في لندن.
إن من الأسباب التي تجعل إسرائيل حريصة على خوض المعارك في أراضي الغير (العدو) هي افتقادها إلى المدى الجغرافي الاستراتيجي، فهي موجودة في أرض فلسطين التاريخية، في وسط من العداء الشعبي العربي لها بسبب من عداونيتها وعنصريتها وفاشيتها وجرائمها وقبل كل شيء اغتصابها لفلسطين.
من ناحية ثانية: فإن المسافة بين شرق فلسطين المحتلة حيث نهر الأردن، والبحر الأبيض المتوسط ناحية الغرب (الخط الذي يمر من نابلس) لا تتجاوز 72 كم، وفي الجنوب 117 كم، وبالتالي فإن هذا يسهل من هزيمتها في موازين الحروب الرسمية إذا ما جرت (هذا وفقاً لآراء العسكريين الاستراتيجيين). صحيح أنه مع التقدم التكنولوجي العلمي فإن الحروب ابتعدت عن الأشكال التقليدية لها، ففي زمن الصواريخ الموجهة لم تعد الجغرافيا مهمة، لكن يظل العامل البشري هو العامل الحاسم في الحروب، وهذا أيضاً ما تفتقده إسرائيل لأنها في الحروب تستدعي الاحتياط العامل في أجهزة الدولة المدنية، وهؤلاء يحاربون على قاعدة الغياب الإنتاجي لهم.
من الأسباب التي تقف وراء الحرص «الإسرائيلي» على نقل المعارك إلى أرض الغير هو: أن «إسرائيل» بنت استراتيجيتها على الحرب السريعة والخاطفة، فهي لا تحتمل الحروب الطويلة. وذلك حين تم توجيه الصواريخ في عدوانها على لبنان في عام 2006، وغزة 2012 إلى جبهتها الداخلية، فإنها بادرت إلى طلب التهدئة أو الهدنة من خلال الوسطاء.
من الأسباب أيضاً: افتقاد الشارع «الإسرائيلي» إلى «البنية المجتمعية» التي في الغالب تكون موحدة في تاريخها وتراثها وحضارتها. كل ذلك ينطبق على كافة دول العالم باستثناء «إسرائيل» التي جرى إنشاؤها قسراً واغتصاباً للأرض الفلسطينية بالتالي جرى تجميع لليهود من كافة دول العالم من أمريكا إلى أثيوبيا دون وجود روابط حقيقة مشتركة فيما بينهم سوى الإنتماء للديانة اليهودية (التي كانت وهي كذلك وستظل ديانة بعيدة كل البعد عن مفاهيم الشعب، القومية، الأمة مثلما تحاول «إسرائيل» تسييد هذه الأوصاف على شارعها).
هناك مقولة تحتاج إلى نوع من التوضيح وهي: أن «الإسرائيليين» يتوحدون في عدائهم للعرب أثناء الأزمات. هذا صحيح في الأزمات أو في أوقات الحروب السريعة، التي يكون موقعها خارج «إسرائيل». أما في الحروب الطويلة والتي تصبح الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» جزءاً منها، فإن التناقضات داخل «إسرائيل» تتفاقم ليس بالضرورة أن يكون عنوانها: العداء للعرب لأن هذه المسألة مفروغ منها، وإنما التناقضات التي تكون واجهتها: التناقض بين مفهومين: الأمن والاستقرار الموعودَين، وحقيقة الواقع المتمثل في حروب مستمرة تخوضها «اسرائيل» .
في عام 1973 وفي الساعات الأولى لحرب تشرين حين اقتحمت القوات المصرية خط بارليف بعد عبور القناة، والقوات السورية تقدمت في هضبة الجولان وكادت أن تصل إلى مشارف بحيرة طبريا، جن جنون وزير الدفاع «الإسرائيلي» آنذاك موشيه ديان، ووفقاً لمصادر صحيفة ومذكرات لقادة «إسرائيليين» فإن دايان أصيب بحالة من الانهيار ودخل على رئيسة الوزراء غولده مائير ليعلن هزيمة «إسرائيل» لكن الأخيرة منعته. وكان الجسر الجوي الأمريكي «لأسرائيل».
إن المعتقدين بإمكانية هزيمة «إسرائيل» من الفلسطينيين والعرب، لا يبنون وجهة نظرهم هذه على أوهام بل حقائق موضوعية وليست عاطفية أو غيبية. لذا فان هزيمة «إسرائيل» لمرة واحدة تعني نهايتها.
«عن القدس العربي»