عامان على ثورة البوعزيزي

مضى أسبوع على الذكرى الثانية لاندلاع ثورة «الكرامة» في تونس والتي أطاحت لاحقاً بالرئيس السابق «زين العابدين بن علي»، لكن هذه السنة لم تكن الاحتفالات هي التي تعم البلاد في الذكرى بل المظاهرات والاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تقودها حركة «النهضة» الإسلامية والتي بات واضحاً التراجع الشديد في القبول الشعبي لسياساتها وأدائها على كل الصعد الاقتصادية والحريات السياسية والاجتماعية.

الحركة التي وصلت إلى السلطة عبر انتخابات لا يمكن القول عنها غير نزيهة، واعتمدت فيها على تاريخ القمع والمنع الذي مورس ضد الحركة وأتباعها في ظل حكم النظام السابق، هي نفسها التي تهاجم اليوم «الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي يعتبر من أهم أركان الحركة الاجتماعية التي أطاحت بالنظام السابق، والحركة ذاتها تضيق الخناق على الإعلام وتتهم الاحتجاجات والمظاهرات بأنها «مؤامرة» تقودها الأحزاب التي خسرت في الانتخابات البرلمانية وفلول النظام السابق. الوعود التي أطلقتها حركة «النهضة » في تونس هي اليوم في حلّ منها كما يلمس الشارع التونسي، فمنذ اليوم الأول لاستلام الحكومة بدأ أعضاء الجماعة الموجودون في المجلس الوطني التأسيسي بالمماطلة وحتى رفض الالتزام بالدستور الذي نص على إنهاء إشغال المجلس بعد سنة من تشكيله وهم أيضاً يماطلون بتحديد موعد لإجراء الانتخابات، وأيضاً اعترضت كتلة حركة «النهضة» في المجلس التأسيسي على بعث هيئة مستقلة للقضاء.

سيطرت الحركة على مفاصل الجهاز الحكومي بتعيين أنصارها والمقربين منها في المناصب الحساسة مثل المسؤولين الجهويين والمحليين وتوزيع أنصارها في المؤسسات التربوية ووضع يدها على القضاء والإعلام، تلك السيطرة أثارت حفيظة الشارع التونسي الذي بات يرى جلياً نزوع الحركة اتجاه نمط «حكم الحزب الواحد» الذي يهيمن على جهاز الدولة، و ينتهج عقلية الانتماء الحزبي في تعيين المسؤولين في مختلف المستويات الإدارية والسياسية ومنهج تجريم المعارضة أو الآراء والتيارات الأخرى وحتى تكفيرها، ورغم مراهنة الكثيرين على التطوير والتغيير الذي من المفترض أنه أنجزته الحركة باتجاه تحولها لحركة سياسية شعبية تلتزم بالثوابت الدستورية وتعايش التطور في الوعي الاجتماعي أكان في الاتجاهات الاقتصادية التنموية، أو فيما يتعلق بالحريات السياسية والحريات الفردية، لكن الأداء الفعلي والممارسات المستمرة منذ استلام السلطة وحتى اليوم تشير إلى خلاف ذلك تماماً..

في العودة إلى ذكرى إحراق «محمد البوعزيزي» نفسه التي كانت في الـ17 من الشهر الحالي، فالاحتجاجات التي ملأت البلد وخاصة مدينة «سيدي بوزيد» التي شهدت انطلاق شرارة الثورة قبل سنتين، حيث دعت العديد من الفعاليات الاجتماعية والسياسية والنقابية فيها إلى مقاطعة الاحتفالات نتيجة استمرار الأوضاع السيئة اقتصادياً ومعاشياً بل وترديها بشكل كبير وخطير في هذه المدينة خاصة وفي البلد عموماً.

 عدد العاطلين عن العمل ارتفع إلى نحو مليون بزيادة بنحو ٥٠%  وذلك نتيجة إغلاق العديد من المنشآت الصناعية نتيجة انتشارالفوضى والانفلات الأمني وارتفاع عدد الإضرابات والاعتصامات في المصانع والمنشآت، إضافة لغياب الخدمات بشكل فعلي وعدم وجود خطط تنموية تعتمد على الإنتاج الحقيقي غير الخدمي. ازداد الفقر بشكل واضح وعرفت الأسعار صعوداً خيالياً بلغ ٥٠%، كذلك تضاعف العجز التجاري للبلاد بنحو النصف رغم القروض التي حصلت عليها الحكومة التونسية، سواء التي أعقبت الثورة أو التي صعدت بعد الانتخابات، والرشوة والفساد في ازدياد وتضخم مستمر دون طرح حلول حقيقية مستقبلية.

قائمة أخطاء حركة «النهضة» تتوسع، ومعها يتعمق انفضاض التأييد الشعبي عنها ويتحول رفضاً واسعاً، ففي الواقع ناقضت  الحركة أساسيات مطالب الحركة الشعبية والثورة في تونس مثل حق التظاهر والتعبير، ومن أبرز الوقائع أنه وخلال الشهر المنصرم  والشهر الحالي شهدت محافظة «سليانة»  مظاهرات مطالبة بتحسين المعيشة ومعارضة لنهج الحكومة الاقتصادي والسياسي عموماً، فكانت ردة فعل الحكومة عنيفة تذكر عملياً بتصرفات النظام السابق ذاتها، وأثارت موجة واسعة من الانتقادات والرفض في الشارع التونسي عموماً، أيضاً كان هناك الهجوم الهمجي على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل يوم الذكرى الستين لاغتيال الزعيم النقابي «فرحات حشاد» والذي سبقه المعارك التي خاضتها الحركة على صفحاتها ضد النقابيين والنقابات، الأمر الذي يعتبر غلطة فادحة لما لتلك الاتحادات والنقابيين فيها من  تاريخ وطني والتفاف شعبي واسع ناتج عن الدفاع عن حقوق العمال والشغيلة.

إذاً تغيرت تونس كثيراً بعد الثورة لكن على مايبدو أن نظامها مازال عصياً على التغيرات الجذرية حتى اللحظة.