صراط غزة

اشتعلت غزة مجدداً بالنار بعد أسبوع من عمليات المقاومة النوعية رداً على عدوان الكيان المستمر، تخللتها هدنة رعتها مصر الإخوان وسرعان مارفضها الكيان الصهيوني، حيث أقدم على  اغتيال  7 فلسطينين على رأسهم القيادي في كتائب القسام أبو محمد الجعبري.

درسُ غزة هذه المرة سيكون نوعياً بكل الاتجاهات، فالإحتلال الصهيوني ضرب كعادته بعد أن استشعر خطراً وشيكاً مفاده أن المقاومة في غزة باتت تمتلك قدرات صاروخية نوعية، كان قصف مجمع اليرموك في السودان التي تُمد من خلاله إيران المقاومة بالأسلحة النوعية استشعاراً للخطر الداهم.

إن استهداف ديمونة اليوم ومدينة أسدود بصواريخ غراد والتي كادت أن تصيب رئيس جهاز الأمن الداخلي الشاباك أفي ديختر، يعني أن الدخول إلى غزة لم يعد لعبةً انتخابية أو حتى إجراءً تنفيسياً عن هزائم الكيان الاستراتيجية، بل إن هذا يعني إن نموذج غزة وعلى غرار نموذج لبنان 2006 سيكون عاملاً لإسقاط حكومة الكيان في الداخل الصهيوني وهز الثقة بقدرات الجيش الصهيوني.

إن رسالة غزة هذه المرة ستكون أشدّ بلاغةً وبياناً للعرب بأنظمتهم المستمرة أو الجديدة أو التي تعاني أزمة استمرار.

رسالة إلى مصر:

استدعت مصر سفيرها وخرج السفير «الإسرائيلي» قبل أن يُطرد كما كانت الجماهير تنتظر، ومن ثم  دعت إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن، وفي مجلس الأمن سينتظر الفيتو الأمريكي تلك الدعوة، الكل يعرف ذلك.

بكل تأكيد لا يستطيع الحكام الجدد في مصر « الثورة المستمرة « التعامي عن الاعتداءات الصهيونية كما كان يفعل مبارك، هم مطالبون بالكثير لكنهم سيمشون على مبدأ « أضعف الايمان» على الأرجح، وسيجدون الأعذار. سيقوم الإخوان غالباً على معالجة الوضع في غزة وكأنها منطقة منكوبة إثر احتلال جائر لارادع له إلا المجتمع الدولي ولاحل لغزة إلا بالمساعدات الإنسانية، ولذلك خَطَوا خطوتهم الأولى نحوه وسيكثرون من هذه الخطا لاحقاً.

مالا يراه الحكام الجدد حتى اللحظة هو أن غزة نموذج لمشروع المقاومة، ومشروع المقاومة يحتاج إلى نموذج متكامل سياسي واقتصادي وعسكري يقوم على القطيعة مع المركز الإمبريالي في واشنطن.

إن النموذج المصري حتى اللحظة لم يخرج عن نموذج كامب ديفيد سواء من حيث حجم العلاقات السياسية مع أمريكا و»إسرائيل» أو من حيث نموذج التنمية المصري القائم على المساعدات و وصايا صندوق النقد الدولي، وآخر ما حرر هو مساعي الإتحاد الأوروبي لتقديم مساعدات بقيمة 5 مليار دولار تضاف إلى قرض صندوق النقد الدولي السابق.

مايجب وعيه أن غزة اليوم لاتحتاج إلى سحب سفراء، بل تحتاج إلى دعم نهج المقاومة وتطوير نموذجها ليكون سنداً لمشروع المقاومة والأمن القومي المصري.

رسالة إلى النظام الرسمي العربي:

يعي النظام الرسمي العربي ممثلاً بالجامعة المُهَيمَن عليها خليجياً الخطر القادم من غزة. فغزة هي الصراط الذي سيقسم كل الرؤى إلى اتجاهين مع أو ضد المقاومة، ولا مجال هنا إلى المساومات أو التلاعب بالدماء لمصلحة أهداف غير وطنية. في هذا السياق جاء التحرك القطري سريعاً بدعوة مجلس الجامعة للإنعقاد يوم الخميس أو السبت، لن تسطيع الجامعة ببنيانها الحالي اتخاذ موقف جدي يدعم المقاومة أو يوقف العدوان على أقل تقدير، لكنها تسعى ومن خلال الدور القطري إلى استيعاب دور قوى المقاومة وتأريضها بشتى الوسائل. و لانستغرب هنا بعض الدعوات إلى ضرورة وجود قوات طوارئ دولية على شاكلة الجنوب اللبناني، وقد يُسوّقها البعض على أنها الحل الأمثل -والذي أبدعته قطر- لوضع غزة ، إلا أن هذا الحل فيما لو تحقق سيكون الإجهاض الدولي للمقاومة، في الوقت الذي يشكّل نموها ضرورة لإنجاح أي نموذج للتغيير الجذري في دول الطوق. فمقاومة قوية يعني دوراً مصرياً أكبر وأكثر استقلالاً، ودورٌ مصريٌ مستقل يعني مشروعاً مناقضاً للدور الأمريكي-القطري. 

رسالة إلى أنصار المقاومة التاريخيين:

تحدث السيد حسن نصرالله منذ يومين عن المقاومة موضحاً حجم المؤامرة التي تحاك ضدها سواءً في لبنان أو في المنطقة العربية ككل، وقد قال نصرالله « إنه لاخوفٌ على المقاومة» ، بمعنى أنه لاخوفٌ على إمكانياتها الذاتية ولا حتى على عقيدتها في مواجهة الإحتلال، لكن ما استشعره نصرالله تلميحاً هو خطر الفتن على دور المقاومة في الدول التي تتعرض إلى تغيرات كبرى ومنها سورية.

ما أراد أن يقوله نصرالله هو التنبه لعدم إضاعة ثمار المقاومة ليس على الصعيد العسكري، بل على مستوى بناء الأوطان والدول في جميع تفاصيل بنائها الأخلاقي والتنموي والسياسي والثقافي.

وعلى هذا جاءت دعوته للحل السسياسي و وقف نزيف الدماء في سورية عبر الحوار الوطني وتفويت الفرصة على أعداء المقاومة من حرف بوصلة الصراع عن العدو تجاه الداخل.

ربما وصلت الرسالة إلى الأطراف السورية، لكنها بكل تأكيد أسمعت قيادة حماس ذات التوجهات الجديدة ماكان مطلوباً. لم تمض بضعة أيام على حديث السيد حسن حتى اشتعلت غزة لتعيد وقع كلماته بوزن أثقل من ذي قبل، ستضع هذه الوقائع قادة حماس في مراجعة شاملة عنوانها « أن للمقاومة تاريخاً وبنياناً والقطري لايملك أياً من الإثنين «.

لن تنفع دعوات هنية للجامعة العربية للتصدي لعدوان غزة بشيء، كان على القيادي في حماس أن يكون قائداً يستنفر المقاومة في أرجاء غزة بدل أن يستنفر العرب كما فعل السنيورة حين بكى مستنفراً إياهم إبان الحرب على لبنان، حينها كان الرد الخليجي وقحاً عندما وصفوا المقاومة  بالمغامرين.

لكن هنية لن يكون مغامراً هذه المرة بوجهة نظرهم، إلا أنه سيكون مغامراً حين يضع نفسه مستجدياً ذات الرد أمام إرادة المقاومة الصلبة في غزة.