د. فايز رشيد د. فايز رشيد

الاستثمار السياسي للصمود وللدولة

تجربة غزة … بمثل هاتين الكلمتين يمكن تلخيص حرب الثمانية أيام التي اقترفها العدو الصهيوني ضد أهلنا في القطاع.

مما لا شك فيه: أن التصدي الفلسطيني البطولي للعدوان شكل ويشكل ملحمة كبيرة. لكن كيف سيجري استثمار الملحمة سياسياً ؟ هذا هو السؤال الأهم لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار أو ما يسمى بالتهدئة وصولاً إلى الهدنة ! المسألة الثانية : هي التصويت في الأمم المتحدة على قبول فلسطين عضواً مراقباً في الجمعية العامة . هذا يعتبر انجازاً دبلوماسياً لشعبنا، لكن لا يجب تضخيمه وتعظيمه و يظل السؤال الأساسي : كيف سيجري استثمار هذه الخطوة ؟

 نقول ذلك وفي الذهن الاستثمار السياسي الخاطىء للانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتي لو جرى تطويرها وتوظيفها بشكل سليم لاقتربنا شوطاً من طريق تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة. 

ما جرى آنذاك : استثمار الانتفاضة في اتفاقيات أوسلو وتداعياتها البغيضة والكارثية التي نعيش نتائجها والتي أرجعت المشروع الوطني الفلسطيني وعموم القضية والحقوق الوطنية سنوات كثيرة إلى الوراء . من ثم وفي سنوات لاحقة : جاء الانقسام الفلسطيني ليزيد الطين بلة . محاولات تجاوز الانقسام وتحقيق المصالحة كانت تنعش الآمال الفلسطينية قليلاً ثم ما تلبث هذه الآمال أن تتحطم عل صخرة الواقع المر .

 برغم التهدئة والتي تحولت إلى هدنة، تكررت الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة إلى أن تم تتويجها مؤخراً بغارات متتالية وقصف من البحر متواصل لأبناء شعبنا في مساحته القليلة، في عملية أسمتها «اسرائيل» (عمود السحاب) والتي استمرت ثمانية أيام، الأمر الذي يذكّر بعدوان 2008 – 2009.

جاء العدوان الصهيوني الغاشم وفق ما يقول قادة العدو: من أجل القضاء على سلاح المقاومة ومخزونها من الصواريخ التي تسميها » بعيدة المدى » من أجل أمن المستوطنات والمدن القريبة من القطاع وعدم تهديدها . هذا هو الهدف «الإسرائيلي» المعلن أما الأهداف غير المعلنة فتلخصت : في الولوغ بالدم الفلسطيني لأسباب انتخابية «إسرائيلية» بحتة يقودها تحالف نتنياهو – ليبرمان – باراك. كذلك أرادت «إسرائيل» استنزاف المقاومة واختبار أسلحتها . هي أيضاً اختبار لمصر ولدول ما يسمى بالربيع العربي في المَدَيَات التي تصلها هذه الدول في تأييد الحقوق الوطنية الفلسطينية ونهج المقاومة تحديداً ومدى الوقوف في وجه «إسرائيل».هدفت «إسرائيل» إلى حرف الأنظار عن تقديم فلسطين طلباً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل عضوية المراقب في المنظمة الدولية.

إن الملحمة البطولية التي خاضتها مقاومتنا الفلسطينية الباسلة ضد العدو الصهيوني تذكّر بالوقفة البطولية للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد العدوان الصهيوني على لبنان في عام 2006 . إن أهداف العدوان فشلت، ويمكن القول بلا أدنى شك: إن المقاومة الفلسطينية وصلت إلى مستوى متقدم من ردع العدو الصهيوني: فلأول مرة تدوي صفارات الإنذار في تل أبيب والقدس ويلجأ سكانهما وسكان جنوب فلسطين المحتلة عام 48 إلى الملاجىء.

 إن من أهم ما أفرزته التجربة الأخيرة للوقفة البطولية لفصائل المقاومة: هو تشكيل غرفة العمليات المشتركة التي يتم وضع خطط التصدي من خلالها، وهو ما يُنبىء بقيام و وجود الإمكانية الحقيقية لتجاوز الانقسام الفلسطيني بعد سقوط كل مبررات وجوده . لا يجوز أن يبقى الانقسام الذي أضر بشعبنا وقضيتنا ومشروعها الوطني . إننا مطالبون كفلسطينيين بإنهاء الانقسام .

 إن المعنى السياسي للصمود ولتصويت الأمم المتحدة يوجب أن يجري استثمارهما في :

إنهاء الانقسام والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية على أرضية التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية . إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية . الطلاق مع نهج المفاوضات مع العدو والعودة إلى المقاومة . عدم عقد التهدئة مع «إسرائيل» .ملاحقة مجرمي الحرب «الإسرائيليين» في محكمة الجنايات الدولية بالرغم من كل التهديدات «الإسرائيلية» والأمريكية .

«إسرائيل» هي المغتصبة للأرض الفلسطينية، والفلسطينيون في حالة مقاومة لفعل الاحتلال، لذا من حقهم المقاومة وفقاً لكل نواميس الطبيعة وقوانين الأرض بما فيها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي شرّعت المقاومة بكافة أشكالها و وسائلها بما فيها الكفاح المسلح ضد الاحتلال. لذا قانوناً وشرعاً لا تجوز هدنة بين من يقوم بمقاومة الاحتلال وبين الغاصب، فهذا يعني: أنه تم تكريس الاحتلال. الهدنة تتم بين دولتين، وليس بين حركة تحرر وطني مقاومة وبين دولة محتلة لأراضيها ! تتوقف المقاومة فقط عندما يزول الاحتلال. «إسرائيل» مصرة على إبقاء احتلالها للأرض الفلسطينية، لذا من واجبنا أن نُصّر كفلسطينيين وعرب على حقنا في المقاومة والكفاح المسلح منها تحديداً طالما بقي الاحتلال الصهيوني لأرضنا قائماً وموجوداً.

لكل ما سبق على الفصائل الفلسطينية التي تعقد التهدئة – الهدنة -(وبخاصة حركة حماس) عدم الوقوع في مطب وخديعة «الهدنة» مع «إسرائيل». من ناحية ثانية فإن من الأهمية بمكان : استثمار سياسي لما حصل في غزة وفي الأمم المتحدة بالشكل الصحيح .