وادي عربة.. تتمة انهزام

تبعت سلسلة الاتفاقيات الانهزامية مع الكيان الصهيوني في مشروع التطبيع الذي رعته الولايات المتحدة اتفاقية وادي عربة أو ماتسمى ب«إتفاقية السلام »بين «إسرائيل» والأردن في محاولة استكمال تطويع دول الجوارالفلسطيني للقرار «الإسرائيلي».

لقد تضمنت المعاهدة أهدافاً تحقق امتيازات للكيان الصهيوني في نواح  ملحة داخله نسرد منها على سبيل المثال لا الحصر: وضع الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني، وضع المياه، و قضية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وتسوية الحدود. بالإضافة إلى الكثير من القضايا المتعلقة بالطاقة والبيئة والسياحة وغيرها، إلاأن البنود الأربعة الأولى تحمل الأهمية الأكبر، وذلك لما حملته من حلول سريعة لقضايا ملحة عند الكيان الصهيوني أدى العمل فيها إلى الهيمنة على الجانب الأردني.

كسر الحاجز النفسي

ومن اللافت للنظر أنه بالبحث عن نص هذه الإتفاقية وبنودها وجدنا أمامنا نسختين: الأولى عربية موجهة للشعب الأردني، والثانية نسخة مكتوبة باللغة الإنكليزية، وعندما تمت ترجمتها تبين أنها مختلفة إلى حد بعيد عن الأولى، وكان لابد من الإشارة إلى أن النص العربي حمل مضامين عامة كالسلام الشامل والالتزام بالقانون الدولي والسيادة الوطنية بين الطرفين وحفظ الأمن وتطوير القضايا الاقتصادية وغيرها من البنود التي عملت على كسر الحواجز النفسية والفكرية عند المواطن الأردني من أجل تقبل الاحتلال الصهيوني.

 أما النسخة الأهم والتي حددت مفاصل المعاهدة الأصلية فقد بحثت في القضايا الأربع المذكورة بشكل أساسي كما يلي:

1-حول الأراضي التي تم احتلالها في عدوان 1967:

وهي منطقة الباقورة والغامر، حيث تم الاعتراف الكامل وغير المشروط بملكية «الإسرائيليين» للأراضي الأردنية هناك، مع الاعتراف بالسيادة الأردنية والذي جاء شكلياًعلى هذه المناطق، إذ نص البند الثاني فقرة أ-ب –ج-د-ه على ما يلي: 

-«اعترافا بأن هذه المنطقة تحت السيادة الأردنية مع الاعتراف بحقوق الملكية الفردية الخاصة للإسرائيليين « ملاك الأراضي» في الأراضي المؤلفة منها هذه المنطقة، يلتزم الأردن بالتالي:

 أ. منح الحرية دون أية تكاليف للدخول والخروج في هذه المنطقة لملاك الأراضي وضيوفهم وموظفيهم، والسماح لهم بالتصرف بأراضيهم « بيع، تأجير،زراعة... الخ» حسب القوانين الأردنية.

ب.عدم تطبيق التشريعات الجمركية أو قوانين الهجرة الأردنية على مالكي هذه الأراضي «الإسرائيليين» أو ضيوفهم أو موظفيهم، الذين يقطعون من «إسرائيل» مباشرة إلى هذه المنطقة بهدف الوصول لأراضيهم، من أجل الزراعة أو أية أهداف أخرى متفق عليها.

ج. عدم فرض أي ضرائب أو رسوم تمييزية فيما يتعلق بالأراضي والأنشطة فيها.

د. اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لحماية ومنع التحرش أو إيذاء أي شخص يدخل هذه المنطقة بموجب هذه الاتفاقية.

ه. السماح «بالحد الأدنى من الرسميات» لضباط وجنود الشرطة «الإسرائيلية» للوصول لهذه المنطقة للتحقيق في القضايا المتعلقة بأصحاب الأراضي وضيوفهم وموظفيهم الإسرائيليين».

إن هذه البنود تعبر عن إعتراف السلطة الأردنية بالكيان «الإسرائيلي» كدولة شرعية، وتعطيها حق السيادة الفعلية على أراضيها المحتلة، لمدة 25 سنة قابلة للتجديد تلقائياً. وبالرغم من رفض مبدأ المساومة على الأراضي العربية لم تكلف الحكومة الأردنية نفسها حتى عناء تحديد مقابل لهذا الاتفاق أو بدل استثمار أوغيره وهو ماينفي ادعاء الأردن بأنه تم تأجير هذه الأراضي لدعم اقتصاده، وهي عملياً انتصار سياسي جديد للكيان الصهيوني غير مدفوع الأجر.

2- تأمين مصادر المياه:

منذ قيام إسرائيل شكلت لها قضية تأمين المياه العذبة كابوساً يؤرقها، كان احتلال أراضي الجولان السوري أحد الحلول لها، فقد سيطرت «إسرائيل» على معظم منابع نهرالأردن، بمافيها ينابيعه في جبل الشيخ، باستثناء نهر اليرموك حيث كانت «معاهدة السلام» طريقاً للوصول إلى مياهه.

إذ اشتملت المعاهدة على أن يقتسم الطرفان مياه وادي عربة السطحية والجوفية، وتحصل «إسرائيل» على مخصصات لها من مياه نهر اليرموك، فقد جاء في النص:

«-يتفق الطرفان بشكل متبادل بالاعتراف بالمخصصات العادلة لكل منهما في نهر الأردن ونهر اليرموك والمياه الجوفية في وادي عربة، وفقاً للكميات والنوعيات والمبادئ المقبولة في الملحق الثاني، والتي تحترم احتراماً كلياً ».

-وفي بند تخصيص مياه نهر اليرموك المرفق الثاني المادة الأولى « - فترة الصيف تمتد من 15 أيار إلى 15 أيلول من كل عام، تضخ «إسرائيل» كمية (12) مليون متر مكعب والأردن يحصل على باقي التدفق». وأيضا « تحصل إسرائيل على (33) مليون متر مكعب في فترة الشتاء الممتدة من 16 تشرين الأول وحتى 14 أيار».

في هذا السياق قدم أمين عام سلطة المصادر الطبيعية في الأردن تصريحاً بتاريخ 2/2 2009لجريدة الرأي، قال فيه إن الأردن تحصل على أقل من نصف كميات المياه التي تحصل عليها «إسرائيل» من مياه نهر الأردن وذلك عبر دراسة أجريت حول كميات المياه المتدفقة لهذا النهر في فصلي الصيف والشتاء.

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل جاء في الملحق الثاني الفقرة الثانية للإتفاقية: « فترة الصيف 15 أيار إلى 15 تشرين الأول من كل عام، مقابل المياه الإضافية التي يتنازل عنها الأردن «لإسرائيل»، وفقاً للفقرة (ب) من المادة الأولى، تتنازل «إسرائيل» للأردن في فترة الصيف عن (20) مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن، مباشرة من نقطة بوابة (داجانيا) على النهر، ويقوم الأردن بدفع كلفة التشغيل والصيانة لهذا النقل من خلال الأنظمة القائمة (دون الكلفة الرأسمالية) وتتحمل الأردن التكلفة الإجمالية للنقل لأي نظام جديد ( شاملا التكلفة الرأسمالية)، وينظم بروتكول منفصل هذا التحويل»، أي بعد قيام الأردن بتقديم المياه مجاناً يستعيدها ولكن بعد دفع جميع النفقات وبالتالي تحريك الآلة «الإسرائيلية» ودعم إقتصادها.

3-في قضية اللاجئيين الفلسطينيين:

 كعادتها «إسرائيل» تسعى إلى إزالة الوجود الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها ويتم التركيز في الخارج على:

 آ-تحويل أسباب لجوء الشعب الفلسطيني إلى الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط وليس إلى سياسة الاستيطان التي تنتهجها «إسرائيل»، ومساواة الأوضاع الإنسانية للإسرائيليين بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين عبر توثيق هذه المضامين في الاتفاقيات.

 إذ جاء في اتفاقية وادي عربة بهذا الخصوص« نص المادة الثامنة: اللاجئين والنازحين (1)- إدراكاً للمشاكل الإنسانية التي لحقت كلا الطرفين من النزاع في الشرق الأوسط، وفضلاً عن المساهمة التي يقدمها الطرفان للاجئين والنازحين، للتخفيف من معاناتهم الإنسانية، فإن الأطراف سوف تسعى إلى مزيد من تخفيف المعاناة على صعيد ثنائي. (2)- واعترافاً بأن المشاكل الإنسانية المشار إليها أعلاه، والتي سببها النزاع في الشرق الأوسط، لا يمكن حلها بشكل كامل على الصعيد الثنائي سوف يسعى الطرفان إلى تسويتها في المحافل المناسبة، وفقاً للقانون الدولي».

ومن الواضح من هذا التوصيف تثبيت صفة اللجوء على الفلسطينيين، وإعطاؤهم صفات ومقومات جديدة تطغى على حق العودة الذي غاب طرحه فعلياً عن هذه المعاهدة وتركيز الجهود لمشروع الوطن البديل ونسف مشروع مقاومة الاحتلال عبر ازدواجية التعاطي مع تواجد الطرفين الفلسطيني و»الإسرائيلي»، ففي الوقت الذي يسمح للضباط الإسرائيليين التجول بكامل أسلحتهم في وادي عربة، تفرض القيود على الفلسطينيين والأردنيين أنفسهم بعدم حمل السلاح في هذه المنطقة.

4-وضع الحدود:

لم تتكبد حكومة الأردن عناء التفاوض على الحدود، ونجد تجلي ذلك في نص الاتفاقية « المادة الثالثة - الحدود الدولية: تحدد الحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل على أساس تعريف الحدود زمن الانتداب البريطاني. تعتبر الحدود (كما هي محددة في الملحق 1/1) الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها دولياً بين الأردن و»إسرائيل»، دون المساس بوضع الأراضي التي دخلت تحت سيطرة الحكم العسكري «الإسرائيلي» .

شملت الاتفاقية باقي المجالات كالملاحة والاقتصاد والثقافة والبيئة والسياحة والأمن وغيرها من مكونات الدولة الأردنية ودخل الأردن في عملية شراكة غير مشروطة بشكل غير مسبوق.

إن هذا النموذج من المعاهدات تفوق على كل إنجازات الكيان العسكرية، حيث حقق انتصارات للصهاينة في المجالات الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى سيطرة «إسرائيل» على القرار الأردني، بسبب التحكم بمفاصل هامة من اقتصادها وجغرافيتها. وكذلك عُمل على خلق عقلية خاضعة معتادة على التواجد «الإسرائيلي» كجزء من النسيج العربي، والعمل على تحويل الصراع العربي «الإسرائيلي» إلى نتيجة من نتائج النزاع في الشرق الأوسط وليس إلى سبب أساسي فيه، سعياً في ذلك إلى دمج الكيان الصهيوني مع شعوب المنطقة وتمييع القضية الفلسطينية وذلك في سلسلة الخطوات الاستسلامية التي شهدتها المنطقة منذ كامب ديفيد وحتى الآن .