القصف على ليبيا.. والمطلوب إنقاذ سورية!
تكشف تصريحات وزير الدولة لشؤون القوات المسلحة في الحكومة البريطانية بخصوص عدم استبعاد التدخل البري في ليبيا من جهة، والأخطر عدم استبعاد بقاء حالة الاستعصاء بين نظام القذافي والثوار من جهة أخرى، أن هناك مساعي غربية لتكريس سيطرة كل طرف على بقعة جغرافية محددة من ليبيا التي ستغدو مقسمة بقوة الأمر الواقع في ظل الحظر الجوي الغربي، دون حسم القضية. وهذا ما يكشف الغايات الكامنة خلف امتطاء واشنطن وأوربا والأطلسي موجة «الانتصار لحرية الشعب الليبي ومطالبه»، ليثبت حقيقة تتكرس معالمها تباعاً مفادها أن الخلاف بين القذافي والغرب وحتى ضمن صفوف الغرب والقوى الكبرى في العالم ليس على أجواء ليبيا، بل على نفطها..!
وفي الوقت الذي كان يتابع فيه العالم إعلامياً مجريات الأوضاع في اليمن والبحرين وكذلك في ليبيا دون الحديث عن نتائج سقوط عشرات صواريخ «توما هوك» الأمريكية على الأراضي الليبية، ارتفع فجأة وعلى نحو متدرج ومتقطع أحياناً منسوب الضخ الإعلامي حول الاضطرابات المتفجرة في سورية، وتحديداً في محافظة درعا، لتتصدر أنباء هذه الأحداث نشرات الأخبار في قنوات مثل «الحرة» و«بي بي سي العربية» و«فرانس 24» الفرنسية الناطقة بالعربية، مع بقائها حتى ساعة كتابة هذه المادة في المرتبة الثانية أو الثالثة في قنوات مثل «العربية» و«الجزيرة»، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يعنيه ذلك ضمن أجندات هذه القنوات، ومن، وما تمثله من مالكين وخطوط تحرير ومصالح...
فإذا كان الخلاف على ليبيا هو النفط وليس الشعب الليبي، فإن السؤال البدهي هو: ما الخلاف بخصوص سورية، وما الذي دفعها لواجهة الأحداث والتداول الإعلامي (الذي تبنى عليه بطبيعة الحال مشاعر ومواقف وردود فعل تتباين بتباين المواقع والرؤى والمواقف والمصالح أيضاً)، في الوقت الذي خفتت فيه التغطية لما يجري في البحرين مثلاً، من قمع قوات «درع الجزيرة» بالقيادة السعودية للمتظاهرين هناك؟
إن هذا الاختلاف في التغطية الإعلامية يلغي من حيث المبدأ أية مهنية يمكن أن تدعيها أية محطة كمنطلق صرف في أدائها الوظيفي، وهو مرتبط بدرجة عالية بالـ«ضرورة» التي تقتضيها متطلبات استمرار المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، والتي تشكل سورية فيه عقبة كبرى، بحكم مواقفها تجاه قضايا العالم العربي والشرق الأوسط.
ولكن هل يمكن اختزال الأمر بهذا الجانب، والاكتفاء بنظرية المؤامرة؟ وألا يرتبط من ناحية شكلانية «المهنية» الإعلاميةً على الأقل ارتفاع منسوب الضخ الإعلامي بارتفاع منسوب الدم المراق ميدانياً في شوارع درعا؟ والسؤال الأخطر هو عند أية درجة من ارتفاع هذا المنسوب الأخير يمكن أن تلجأ «القوى الكبرى ومرتكزاتها» بسهولة إلى استحضار النموذج الليبي مرة أخرى، ولكن ضد سورية، مستفيدة من سرعة استصدار قرار حظر جوي وعقوبات بحق ليبيا في مجلس الأمن والذي سارعت «الجامعة العربية» لمباركته والمطالبة به؟ وكيف سيكون انعكاس ذلك على موازين القوى في المنطقة، وبأية اتجاهات، لن تمت بصلة في كل الأحوال لمطالب داخلية لدى السوريين، أياً تكن؟ بل إن ذلك سيرتبط بالصراع في المنطقة وعليها، وهو ما يفسر أبعاد «اللعبة الطائفية» التي ترمي بها السعودية في الشارع السوري من أجل تصفية حسابات إقليمية (العلاقة مع إيران والمواقف بخصوص لبنان وفلسطين المحتلة وكذلك البحرين واليمن)، ولتأدية دور وظيفي محدد لمصلحة واشنطن ترتضيه الرياض تحسباً من وصول بلل الاضطرابات إلى ذقنها.
مرة أخرى، هل الأمر كله مرتبط بمؤامرة خارجية؟ بالطبع لا، لأن المؤامرات الخارجية تستند أصلاً إلى الثغرات والأخطاء الداخلية، والتي إذا لم يجر تلافيها فإنها ستدخل البلاد في دوامة عنف وعنف مضاد، لا تُبقي ولا تَذرْ، ولاسيما مع انتشار صور الفيديو الدامية التي تتناقلها مواقع الانترنت ووسائل الإعلام إقليمياً ودولياً، بغض النظر عن رأينا بتوجهاتها وأجنداتها، لأنه مهما قيل إنها ملفقة أو محورة أو مبالغ بها، فأنها تبقى تتحدث عن مجريات في سورية، وإن كانت مبتورة. فكيف سيجري تقبلها وما الاصطفافات التي ستجري على أساسها لدى السوريين في الداخل وكذلك لدى أبناء الجاليات السورية في الخارج، أن يكون لدى الجميع إمكانية ومصادر فهم أبعاد ما يجري حقيقة؟
إن عدم الإسراع في حل القضايا الداخلية المستعصية في سورية سيحولها لصواعق انفجار متسلسلة. وإن اقتصار المعالجة بالدرجة الأولى على الحلول الأمنية للحفاظ على «هيبة الدولة» و«الأمن العام» في مواجهة مطالب الناس وتحركاتهم الجماهيرية في الشارع، بما يتضمنه من الحديث عن «الاضطرار للرد على مصادر نيران» أو الانتقام من وقوع قتلى في صفوف قوات الأمن، سيولد عنفاً مضاداً لدى الأهالي أو «العصابات المسلحة» في انتقامها لمقتل أبنائهم أو أفراد وعناصر منها.
نعم هناك مخطط خارجي يستهدف سورية، كمواقف إقليمية ونسيج اجتماعي فريد في تناغمه ورضاه بالمجمل على هذه المواقف، وفي المقابل هناك مطالب ومستحقات مشروعة ومؤجلة للناس، وإذا ما استمر تسويفها، وتحديداً في ظل معركة وطنية وإعلامية غير متكافئة، فستصبح سورية في خطر.
وللمفارقة على سبيل المثال، فقد أظهرت التسهيلات الأمنية والسياسية غير المسبوقة بخصوص احتفالات النيروز لهذا العام أنه من السهولة بمكان عند امتلاك الإرادة لدى أجهزة الدولة حل بعض جوانب وتجليات بعض القضايا المستعصية منذ سنوات وعقود لدى شرائح من الشعب السوري، وينبغي تحديد ومواجهة العوائق التي تعترض حل تلك القضايا جملة وتفصيلاً ومن جذورها، لأنه لم يعد بالإمكان مواجهة الخارج دون تحصين الداخل قولاً وفعلاً.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.