الفساد رأس الفتنة

بعد انتفاضتي تونس ومصر وبروز دور الجماهير الشعبية وعودتها إلى الشارع، أصبحت منطقتنا أمام ثورة وطنية ديمقراطية معاصرة تندمج فيها المهام الاجتماعية- الاقتصادية الجذرية مع المهام الوطنية العامة، ومع المهام الديمقراطية المتعلقة بالحريات السياسية وحرية التنظيم والتظاهر والتعبير عن الرأي.

وإذا كان من نافل القول إن الدفاع عن الكرامة الوطنية بكل ما تعنيه من معانٍ هو العنوان الأبرز لأي شعب من شعوب المنطقة، فإن الدفاع عن «لقمة الشعب وكلمته» هو الشرط الضروري للدفاع عن الوطن.

وكان لافتاً أن أهم ما أنجزته الجماهير في تونس ومصر هو كشف الحجب عن حجم الفساد والمفسدين في جهاز الدولة وخارجه بهاتين الدولتين، بحيث جرى تغول القسم الأعظم من ثروات الشعبين التونسي والمصري على أيدي حفنة من طواغيت المال الذين كانت الأجهزة الأمنية طوع بنانهم في قمع أية حركة شعبية معارضة لقوى الفساد والنهب الكبير، وخصوصاً في مصر التي ترافقت فيها الخيانة الوطنية بالتوازي مع نهج الليبرالية- الاقتصادية المتوحشة.

وكي لا يبقى الحديث عن بلاد عربية بعيدة عنا، لابدَّ من عودة التأكيد مجدداً أن أهم ما يحصّن الوحدة الوطنية في سورية في ظروف ازدياد العدوانية الأمريكية والصهيونية تجاه كل شعوب المنطقة، بما فيها بلدنا، هو المراجعة الشاملة للسياسات الداخلية والقطع الكامل مع السياسات الاقتصادية الليبرالية وترحيل رموزها المتمثلة بالحامل الاقتصادي المعبر عنها.

وإذا كانت الحكومة قد رحلت، هناك خشية شديدة في الشارع السوري من أن يجري تغيير الوجوه دون تغيير السياسات الاقتصادية- الاجتماعية التي ثبت فشلُها وخسرنا معها الوقت الثمين وجرى أكبر قدر من التضليل عبر الأرقام التي كانت تعلنها الحكومة حول «نسب النمو ومعدلات الفقر والبطالة والاستثمار ومستوى المعيشة»، وكان الرد الشعبي الصامت والمعلن هو ازدياد حالة الاستياء الشعبي وارتفاع منسوب عدم الرضا الشعبي عن أداء وسياسات الحكومة. ولو قمنا بإجراء استفتاء شعبي حقيقي وشفاف حول شعبية الحكومة وسياساتها لكانت النتائج تقضي برحيل الحكومة قبل هذا الأوان بكثير.

ولعل أخطر ما أثار توجس وقلق الشعب السوري هو أن سياسة الخصخصة المقنعة بدأت تقترب من المرافق السيادية (الكهرباء والمرافئ والمطارات وغيرها)، الشيء الذي يتناقض صراحةً مع الدستور ولاسيما المادة 14 منه، ناهيك عن التراجع الخطير في الزراعة والصناعة ومتابعة الإجهاز بشكل مبرمج على قطاع الدولة (القطاع العام).

إن الرد الصائب على كل ما شهدته بلدنا سورية من أحداث دامية من درعا وحتى اللاذقية مع الأخذ بعين الاعتبار محاولات أعداء الداخل والخارج لتحويلها إلى «فتنة» خطيرة، يكون بإعلان الحرب الحقيقية على قوى الفساد الكبرى في جهاز الدولة وخارجه، خصوصاً أن الحرب على تلك القوى هي مهمة دائمة ولن تكون ناجحة إلا بتعبئة قوى المجتمع ضدها، لأن قوى الفساد كانت وما زالت بوابات العبور وما للعدوان الخارجي المرتقب على سورية وخصوصاً بعد التغييرات التي حدثت في مصر وبداية اختلال المعادلة في ميزان القوى في الصراع العربي- الصهيوني.

ومن هنا، لابد من إصدار منظومة من التشريعات والقوانين التي تتضمن أقصى العقوبات ضد الفاسدين الكبار وإشراك المتضررين وضحايا النهب في محاسبتهم، لأن الحياة أثبتت أن أي إصلاح في بلدنا يستحيل تحقيقه دون الحرب على الفساد ومحاسبة رؤوسه الكبار أمام الشعب، وليس «كف يدهم عن العمل» بل المطلوب استعادة الأموال المنهوبة للشعب الذي أصبح على دراية كاملة بحجم ثروات الفاسدين السابقين والحاليين، والذين هم أشد وأخطر أدوات الفتنة الداخلية وغياب الأمن والاستقرار في المجتمع.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.