معاً في مواجهة الثورات المضادة معاً من أجل ثورة عربية مستمرة
منذ انطلاقة الثورات الشعبية العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين والسعودية، والحبل على الجرار، و قوى الاستعمار و الهيمنة الرأسمالية العالمية وأدواتها وتحالفاتها المحلية من أنظمة الفساد والاستبداد والتبعية والمزارع العائلية في حالة من الهلع والهستيريا البوليسية خوفاً على مصيرها ومصالحها.
ولأن هذه القوى لم تصل إلى السلطة بطرق ديمقراطية أو نتيجة توافقات مدنية داخلية بل عن طريق اغتصاب الحكم بدعم قوى الاستعمار الأوربي القديم والأمريكي الجديد، ولأنها لم تؤسس دولاً معاصرة ومجتمعات مدنية بل عصابات وتحالفات مذهبية قبلية مسنودة بأجهزة قمع متوحشة، فاستمرأت الفساد والقمع دون حسيب ورقيب وقايضت ذلك بالتخاذل أمام الإملاءات الخارجية سواء تحت شعار مكافحة الإرهاب العالمي أو تسليم البلاد لرجال البنك الدولي والشركات متعددة الجنسية والمافيات العالمية، فلم يكن متوقعاً منها أن تقوم بأية مراجعات حقيقية تحد من لصوصيتها وتحرمها من نهب البلاد والعباد وتحويل السلطة إلى مغانم شخصية ومزارع فساد عائلية.
وبدلاً من ذلك راحت تلملم صفوفها لوقف الثورة الشعبية العربية المتصاعدة وإجهاضها ومواجهتها بثورة مضادة من معالمها المشتركة عند هذه القوى:
1- استخدام البطش الوحشي ضد المظاهرات السلمية سواء بإطلاق الرصاص الحي عليها كما حدث في البحرين واليمن، أو بقصف المدن والأهالي بالدبابات والمدفعية كما حدث في ليبيا، أو باستخدام البلطجية والزعران كما حدث وتكرر في أكثر من عاصمة.
2- زج عملاء الشرطة السرية والبلطجية في الشوارع العربية وما أكثرهم وتصويرهم كأصحاب رأي آخر (شارع ضد شارع).
3- ولعل الأخطر هنا هو التحريض المذهبي كما فعلت سلطات البحرين، والتحريض الجهوي والقبلي كما شهدنا ونشهد في أكثر من عاصمة عربية.
4- ولم تكتف قوى الفساد والاستبداد العربية والعواصم الرأسمالية التي تدعمها بأجهزة البطش والبلطجية والشرطة السرية والقمع المحلية بل تعدت ذلك إلى التدخل الإقليمي السافر كما حدث في البحرين بضوء أخضر أمريكي.
5- وبالإضافة للقتل الجماعي بدم بارد كان كتّاب التدخل السريع والإعلاميون المأجورون يغطون هذه الجرائم بأشكال مختلفة من الذرائع المزورة والمضللة التي لم تعد تنطلي على أحد، كما كشفت الأحداث في أكثر من عاصمة عربية عن دور ما يعرف بالنواب البلطجية من عملاء الشرطة السرية في تدبير الاعتداءات على المسيرات السلمية.
6- ومن الأساليب الدنيئة الأخرى التي تحط من الكرامة جملة الرشى الصغيرة التي تتعامل مع الجمهور كمتسولين على أبواب السلاطين والزعماء الفاسدين.
كيف نواجه الثورة المضادة
ابتداءً، لا بد من التحذير من خلط البعض بين مشروع الفوضى الأمريكية الهدامة لتفجير وتمزيق الشرق العربي، والثورات البرتقالية المشبوهة التي أدارتها المخابرات الأمريكية لتفكيك بلدان شرق أوروبا وإخضاعها للمافيات اليهودية والمصالح الرأسمالية، وبين الثورة الشعبية العربية التي سرعان ما تحولت إلى كرة ثلج تكبر كل يوم من المحيط إلى الخليج.
وعلى هذا الصعيد فإن وجود تقاطعات في الإصلاح الديمقراطي بين قوى هذه الثورة وبين بعض العواصم العالمية هو وجود مفهوم وموضوعي حيث تحاول الرأسمالية العالمية ترميم نفسها ومحيطها العالمي بإصلاحات ديمقراطية شكلية تفرّغ الثورة من مضمونها وتحولها إلى ثورة مضادة. و لذلك فإن أول الخطوات المطلوبة لمواجهة هذه الثورة المضادة هو الاستمرار في الثورة واليقظة إزاء لعبة شراء الوقت عبر لجان الحوار العقيمة وحديث الوحدة الوطنية المزعومة بين قوى الفساد والقمع وبين القوى الشعبية بالإضافة لرفض الرشى والتنازلات الصغيرة التي تقدمها القوى المتنفذة.
فلا بديل ابتداءً عن تحولات سياسية ودستورية جذرية تضمن التداول الحقيقي للسلطة وبناء حياة ديمقراطية حزبية وبرلمانية، كما تفتح ملفات الفساد ملفاً ملفاً وتحيل المتورطين فيها إلى محاكم مستقلة نزيهة.
وانطلاقاً مما سبق، فإن أمام قوى الثورة العربية تحقيق المهام الملحة والراهنة التالية:
1- الاستمرار في المسيرات والمظاهرات السلمية وحشد القوى الشعبية وبناء كتلة تغيير تاريخية واسعة، والحذر من تغليب التناقضات الثانوية على هذه المهمة الرئيسية.
2- التأكيد على الهوية العربية الواحدة لهذه الثورة التي تتحقق اليوم في الميدان لا على الورق و التي تعيد الاعتبار من جديد إلى جدلية العلاقة بين هذه الهوية وبين معركة التخلص من التبعية والاستبداد.
3- عدم الانزلاق إلى السؤال المضلل: الحفاظ على الاستبداد أو تسليم البلاد للغزاة الامبرياليين، فقوى الاستبداد المحلية هي الصورة الحقيقية للتدخل الخارجي مما يحتم علينا رفض الاثنين معا في الوقت نفسه وعدم المفاضلة بينهما. ومن ذلك وفيما يخص ليبيا على سبيل المثال فإننا إذ نعلن وقوفنا مع حق الشعب الليبي في إنهاء الديكتاتورية وتقرير مصيره في حياة ديمقراطية حقيقية فإننا نؤكد في الوقت نفسه رفضنا لكل أشكال التدخل الخارجي في الشأن الليبي وكل ما يهدد استقلال وسيادة هذا البلد ووحدة أراضيه وحقه في استثمار موارده بعيداً عن هيمنة وأطماع البلدان والشركات الرأسمالية. كما نرفض أيضاً التدخل السعودي والقوى المرتبطة لقمع ثورة الشعب البحريني.
الجمعية التأسيسية
الوطنية الأردنية ـ تغيير