«السعودية 2030»: رؤية قاصرة لمتغيرات عاصفة

وافق مجلس الوزراء السعودي، الاثنين 25/نيسان، على «رؤية المملكة 2030»، الصادرة عن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والذي يترأسه ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، وتضمنت الرؤية الخطوط العريضة للتوجهات الاقتصادية- الاجتماعية الواجب اعتمادها للوصول إلى الأهداف المطلوبة في عام 2030، والتي يقول القائمون عليها أنها «بدأت فعلاً»..

 

بحسب نص الوثيقة، فإن مرتكزات هذه الرؤية هي «العمق العربي الإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي»، ومحاور الرؤية أو المبتغى من تنفيذها هي «المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح».

 

فيما يلي نستعرض أهم النقاط التي تعرّضت إليها الرؤية، في محاولة لاستشفاف التوجهات العامة المرسومة في السعودية، والعراقيل التي تواجهها في ذلك، بما يعكس الواقع الخاص بالمملكة، المتردي داخلياً وخارجياً، حالها في ذلك حال معظم القوى المتضررة من تراجع الولايات المتحدة، والتغير الجاري في موازين القوى الدولية.

أبرز نقاط الرؤية

تركز الرؤية في أجزاء كبيرة منها، على موضوعات هي بالأصل نقاط تُعتبر إلى حد ما ميزات مطلقة للسعودية، حتى اليوم، ومن بينها: «الحج والعمرة، كرافد اقتصادي استراتيجي»، والهدف فيه، بحسب الوثيقة، هو «زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال المعتمرين الواصل عددهم إلى ثمانية ملايين في العام 2015، إلى 30 مليون معتمر في العام 2030».

وتعمل السعودية في هذا الصدد على إطلاق مشروع «مترو مكة المكرمة»، وتطوير المطارات وزيادة طاقتها الاستيعابية، وغيرها من مشاريع لتخديم هذا الموضوع ذي الريع الاقتصادي المرتفع.

بحسب مجلة «فوربس»، تبلغ إيرادات السعودية من السياحة الدينية حوالي 20 مليار دولار، بينما تشير الإحصاءات الحكومية إلى 8.5 مليار دولار تقريباً، وبغض النظر عن الأرقام، فإن من تصفهم المملكة بـ«ضيوف الرحمن» تحولوا فعلياً إلى ثروة تغني الخزينة السعودية، وهو ما يندرج في إطار السياحة الدينية، التي تدرج بدورها في الإطار الخدمي غير المنتج.

ومؤخراً، بدأت تظهر إشارات استياء إقليمي ودولي من إدارة السعودية لملف الحج، ربما تطفو إلى السطح أكثر في وقت لاحق، بسبب انشغال المنطقة اليوم بإطفاء الحرائق التي تشارك السعودية في إشعالها، ومن بين هذه الإشارات قضية تدافع منى وما تبعه من توترات سعودية- إيرانية، وتساؤل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في حديثها  لمجلة «تايم» الأمريكية حول إيرادات الحج و«عدم توزيعها على مساكين المسلمين».

طرح أسهم «آرامكو» للاكتتاب

تعد «آرامكو» أكبر شركة للنفط في العالم، وهي مملوكة من الدولة في السعودية، ويقول القائمون على الرؤية أنه سيتم طرح جزء من أسهمها، يصل إلى 5% في العام 2020، للاكتتاب العام، مما يسمح بالحصول على 2 ترليون دولار، لتعمل السعودية حينها على إطلاق أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم.

إضافة إلى ذلك، تضمنت الرؤية، خصخصة الأصول المملوكة للدولة ومنها الشركات الرائدة والأراضي والأصول الأخرى، إضافة إلى «بناء سوق مالية متقدمة ومنفتحة على العالم»، بما يتيح فرصاً للتمويل. وفي هذا الصدد، تطرح الرؤية تسهيلات طرح الأسهم وإدراج الشركات المملوكة للدولة في السوق المالية، وتعزيز سوق الدّين، إلخ..

الخلل الهيكلي وسباق الزمن

على الرغم من تطرق الرؤية إلى الجوانب الاجتماعية بكثرة، فيما يخص تخفيض معدلات البطالة، وإقامة مشاريع سكنية وتعليمية وترفيهية كبيرة، إلا أن السعودية التي اعتمدت على ريع المصادر النفطية التي تشكل حوالي 90% من الإيرادات، تعاني من مشكلة على الصعيد الاجتماعي ألا وهي وجود 20% من السعوديين كقوى عاملة، يقبع أغلبهم في كنف المؤسسات الحكومية وفي قطاعات التعليم والصحة والجيش، بينما يغطي الوافدون 80% من العمالة، ويتركزون عملياً في القطاع الخاص، أي أن حجم الواردات الكبير يسمح بتوزيع جزء من هذه الإيرادات على شكل دعم اجتماعي، غطاءه التوظيف في قطاع الدولة، والذي يبلغ عدد موظفيه ما يقارب مليوني سعودي.

هذا الخلل الهيكلي تبدى في أواسط العام 2014 بسرعة، حيث بدأت بوضوح حرب أسعار النفط والتي بدأتها السعودية في وجه خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، والنتيجة الأولية ظهرت في تقرير نشره صندوق النقد الدولي في نهايات العام الماضي، توقع فيه إنفاق جميع احتياطيات السعودية المالية خلال الـ5 سنوات القادمة، وذلك في ظل هبوط أسعار النفط إلى أكثر من النصف. أي أن تلك الإيرادات التي تعمل على تغطية جزء من الحاجات الاجتماعية للمواطنين تم فقدها بسرعة كبيرة، مما استدعى التركيز عليها في الرؤية المذكورة.

من هنا، يأتي الحديث عن البدء بخصخصة «آرامكو»، وتحويلها إلى صندوق سيادي هو الأكبر في العالم، لكن في ظل نمو الاستهلاك البالغ من 5% إلى 8% سنوياً- وإذا كان 62% من السعوديين يسكنون بالإيجار كنتيجة لـ«مرحلة الرخاء الاقتصادي»- وهي التي تصدر ما يقارب 10 مليون برميل نفط يومياً، فهل هذه الخطوات التي تركز على الخصخصة وإنشاء الأسواق المالية، قادرة على إبعاد شبح التوترات الاجتماعية الكامنة أصلاً؟

المشاكل لا تأتي فراداً!

الوضع الاقتصادي في داخل السعودية ليس وحده ما يؤرق العائلة المالكة، و الأنظمة المشابهة لها في الخليج جميعها، فتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1»، وتوافد المستثمرين من كل بقاع العالم إلى إيران، على اعتبار أنها دولة إقليمية صاعدة ذات إطلالة دولية، يعني سحب البساط من تحت أقدام السعودية كقوة إقليمية وازنة استمدت مكانتها الإقليمية، لا من مساعدتها في حل أزمات المنطقة، أو تكوين علاقات حسن الجوار مع محيطها، بل أيضاً من الريع السياسي للوجود الأمريكي في المنطقة، إبان غزو أفغانستان ثم العراق. وبحكم التراجع الأمريكي اليوم على مستوى المنطقة، تجد السعودية نفسها مضطرة إلى تعزيز محيطها الإقليمي بعلاقات جديدة، وجدتها في تركيا والكيان الصهيوني، الأطراف الأكثر تأزماً في المنطقة!

إضافة إلى ذلك، تبدو ملفات الأزمة السورية والأزمة اليمنية، ضرائب آجلة الدفع بالنسبة للمملكة على الصعيد السياسي، والاقتصادي أيضاً، بعد تثبيت خيارات الحل السياسي كثوابت تفرضها موازين القوى الدولية أولاً.

هذا الكم الهائل من المشاكل التي تصدع رأس قارئها فكيف بصاحبها، لم تنته بعد، فماذا عن حقوق الإنسان؟ في هذا السياق، تقدم منظمة العفو الدولية، شهادة عن فترة وجيزة هي فترة حكم الملك الحالي، سلمان بن عبد العزيز، وذكرت الشهادة أن الشهور الأولى من حكمه شهدت المصادقة على الكثير من حالات الإعدام، من بينها إعدام رجل الدين، نمر النمر.

القائمة تطول، وهي نتاج مرحلة التراجع، في الوقت الذي بقيت به أغلب انتهاكات حقوق الإنسان طي الكتمان، في مرحلة الاستقواء السعودي بوجود الحليف الأوحد لها في المنطقة- الولايات المتحدة الأمريكية.