فوضى الوعي إزاء قضايا واضحة

ليس جديداً ولا كشفاً استثنائياً القول بأن سورية مستهدفة وتتعرض لـ«مؤامرة» خارجية، بعض أدواتها يقبع بين ظهرانينا دون حساب جدي بحجم ما اقترفت أيديهم بحق البلاد والعباد ومنذ سنوات.

يتداول المهتمون بالشأن السياسي منذ بدء الأحداث في سورية ما أطلق عليه «خطة بندر بن سلطان وجيفري فيلتمان» لتقويض الوضع في سورية منذ العام 2008، كما كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن دور عبد الحليم خدام والإخوان المسلمين وتيار المستقبل في لبنان وبقايا رفعت الأسد، والليبراليين الجدد الذين يبحثون عن المعادل السياسي- التنظيمي لهم على الأرض من أجل إحداث تغيير جذري سياسي للنظام في سورية لا علاقة له بمطالب الشعب السوري حول إجراء إصلاح سياسي- اجتماعي- اقتصادي- ديمقراطي يعزز الوحدة الوطنية ويقوي موقع سورية في مواجهة المخططات العدوانية الأمريكية والصهيونية ضد شعبنا وكل شعوب المنطقة!

لسنا في وارد الخوف من ألاّ يتغلب الشعب السوري- بوعيه ووطنيته- على مخطط الفتنة الداخلية مع كل مخاطرها القريبة والبعيدة، خصوصاً أن القائمين على تسعيرها- من أعداء الخارج وعملائهم في الداخل- يعملون ليل نهار على زج الشعب السوري في أتون المخطط التفتيتي الأمريكي الصهيوني الاستراتيجي الذي بدأ العمل فيه منذ احتلال أفغانستان والعراق في إطار ما يسمى بـ«الفالق السني- الشيعي» بالتوازي مع تسعير الصراعات الأخرى من إثنية ومذهبية وقبلية وعشائرية.

ومن نافل القول أن تزداد الضغوط على سورية بعد فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 وصمود المقاومة وقدرتها على كسر شوكة جيش العدو الصهيوني وتحول خيار المقاومة الشاملة ضد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية إلى نموذج يجب تعميمه والاستعداد لتوفير كل مستلزماته داخلياً والتي على رأسها ملاقاة مطالب الجماهير، والتي دونها لا قيمة للحديث عن الاستقرار والسيادة الوطنية.

.. وكي لا يبقى الحديث في العموميات، لابد من تسمية الأشياء والوقائع بمسمياتها، لقد تأخر الرد كثيراً على محاولات استهداف بلدنا ووطننا من قبل أعداء الخارج والداخل، وهنا لابد من التأكيد على أن ما تم كشفه من أدوات الفتنة الداخلية- بما فيها العصابات المسلحة- ليس إلاّ رأس جبل الجليد، وهؤلاء لم يطلوا برأسهم فجأة بل جاؤوا على أجنحة تراكم الفساد الكبير الذي تجذر في ظل السياسات الليبرالية- الاقتصادية للفريق الاقتصادي في الحكومة الراحلة وغير المأسوف عليها، وهناك ضرورة لمحاسبتها تماماً مثلما أعلن عن محاسبة المسؤولين عن تفجير الأوضاع في بعض المحافظات السورية.

نحن لا نستطيع محاسبة الجهات المتآمرة على بلدنا من واشنطن إلى تل أبيب مروراً ببعض الحكام العرب وأدواتهم من «بندريين وخداميين وحريريين وأصوليين متطرفين» إلا بتعزيز الوحدة الوطنية وإصلاح بيتنا الداخلي وتطهيره من الفاسدين وخصوصاً الكبار منهم والذين هم بوابات العبور للعدوان الخارجي، وعند ذلك لن نكون بحاجة أصلاً لأية «قبضة أمنية» ولا لإراقة قطرة دم واحدة في الشارع السوري، لأن المجتمع حينها لن يسمح مطلقاً لعناصر المؤامرة سواء في الداخل أو الخارج أن يعيثوا فساداً أو بتهديد أمن الوطن.

لقد أظهر شعبنا كم هو حريص على الأمن والاستقرار، وهذا بتطلب تعزيز هذه السمة الوطنية العظيمة لديه عبر الرد الحقيقي على لوثة الفتنة، ألا وهو البدء الفوري بتنفيذ إصلاح جذري شامل لا يرغب فيه أبداً كل من خطط ونفذ وسوق لإعادة سورية وشعبها إلى ما قبل الدولة الوطنية، لأن الإقدام على الإصلاح بعناوينه الرئيسية مثل رفع حالة الطوارئ، وإصدار قانون انتخابات وقانون الأحزاب وإغلاق ملف الأحصاء الاستثنائي لعام 1962 والإقرار بحق التعبير والتظاهر السلمي وحق الإضراب والتشديد على رفض الخصخصة، والقطع الكامل مع السياسات الليبرالية- الاقتصادية، كل ذلك سيعزز الوحدة الوطنية، وسيضع الأساس الحقيقي لمعالجة الوضع الناشئ في البلاد بعيداً عن أية معالجة أمنية قاصرة.

إن مثل هذا التوجه الضروري والملح هو الوحيد القادر على إخماد الحملة الإعلامية المعادية التي تهيئ المناخ لفوضى الوعي بما يحدث وصولاً إلى إضعاف التماسك الاجتماعي في الفترة التي تفصلنا عن المواجهة المرتقبة، وغير البعيدة، مع التحالف الإمبريالي- الصهيوني!.

 

h.monther@kassioun.org