المواجهة المركبة.. واشنطن تلعب على حبال «الصين الجنوبي»
ترتفع وتيرة التدخلات الجيوسياسية الأمريكية الموجهة ضد الصين وشرق آسيا عموماً باضطراد تدريجي، هادفة إلى تطويق المنطقة التي تشهد نمواً اقتصادياً حقيقياً، في وقت تعاني فيه معظم الاقتصادات الغربية من الركود والتراجع، وصولاً إلى احتمالات الانهيار.
يتوجه الإمبرياليون شرقاً، بحكم الضرورات الاقتصادية والسياسية الموضوعية التي تفرضها حقائق التراجع في الوزن النوعي للغرب، لمصلحة التقدم العسكري والاقتصادي والسياسي للقطب المقابل، وبحكم سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، المنفلت من القواعد جميعها في طبعه للدولار الأمريكي، إذ يضع تخفيض قيمته الولايات المتحدة في موضع المعتدي على القوى الصاعدة التي تريد حرية أكبر في مبادلاتها.
الصين هي واحدة من القوى الصاعدة التي يمكنها، بحسب الباحث الاقتصادي الصيني، سونغ هونبينغ، صاحب كتاب «حرب العملات»، قيادة العالم نحو نظام مالي متعدد وعادل، بطريقة تدريجية، بحيث لا تتضرر مصالح الصين التي تملك أكبر احتياطي عملات أجنبية في العالم بما يعادل 1,2 تريلون دولار.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن السياسة المالية الأمريكية، التي تؤدي إلى خفض قيمة الدولار بهدف تخفيض قيمة أصول ما تملكه دول العالم عموماً، والدول الصاعدة كالصين، من سندات خزينة واحتياطيات دولارية، تحمل في أساسها بذور التخبط والتراجع الاقتصادي على الداخل الأمريكي أولاً.
مواجهة عسكرية-
اقتصادية مركبة
تقاس العلاقات الأمريكية- الصينية بميزان ذهب دقيق جداً، فالصين كدولة صاعدة، تبحث عن تمتين عوامل استقلالها السياسي والاقتصادي، وتعول على نموها الاقتصادي في دفع العالم نحو نظام مالي ونقدي عادل، وتواجه عدواناً إمبريالياً أمريكياً يعمل دائماً على فرض عملته ونظامه المالي والنقدي، ويفرض من خلاله بيع السندات، ومن ثم المتاجرة فيها في عملية طويلة من اشتقاق الديون ونهب العالم.
ويعد النمو الصيني أكبر سلاح في يد الصينين في مواجهة العدوان الأمريكي، فالولايات المتحدة لا تستطيع ضرب الصين وتحطيمها، ولا ترغب بذلك طبعاً إلّا تلك القوى الأكثر تشدداً وفاشية في الإدارة الأمريكية. لكن محصلة الصراع داخل الإدارة الامريكية تبدو ميالة صوب إحاطة طريق التصدير الصيني الأهم في بحر الصين الجنوبي بالقواعد العسكرية، للتحكم في مصير جزء كبير من حركة التجارة العالمية.
خمس قواعد جديدة في الفليبين
بدأ التدخل الأمريكي المباشر والصريح في قضية البحر الجنوبي في عام 2014، خلال قمة مجموعة «أسيان»، حين طالبت الإدارة الأمريكية الصين بـ«احترام الحقوق الدولية لدول بحر الصين الجنوبي» أي الفلبين وفيتنام وتايون وماليزيا. وكان التدخل الأمريكي بناءً على دعوى رفعتها فيتنام في المحاكم الدولية ضد الصين، حول خلاف على الحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي.
وفيما تصر وزارة الخارجية الصينية على ضرورة حل المشاكل بين دول المنطقة من خلال الحوار، تواصل الولايات المتحدة تدخلها في الشأن الداخلي الصيني، حيث «تدين» الولايات المتحدة «إقدام الصين» على نشر أو تطوير أسلحة ورادات عسكرية أو مدنية في بحر الصين الجنوبي، البحر الذي تمر من خلاله تجارة تقدر بـ5 تريليونات دولار سنوياً.
وأخيراً، وفي محاوله لرفع مستوى التوتر في البحر، قامت الولايات المتحدة بعقد صفقة لبناء خمس قواعد عسكرية في الفلبين، الحدث الذي اعتبرته الصين أمراً غير مسؤول من قبل الإدارة الأمريكية الهادفة إلى أعلى مستوى من التوتير في المنطقة.
هذا وأكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في نهاية العام المنصرم، أن نزاع البحر الصين الجنوبي يجب أن يحل بالطرق السلمية والحوار بين الدول المتنازعة، شرط حماية سيادة البلاد وحقوقها البحرية, أي أن الصين تحاول عدم السماح للقوى المعادية برفع حرارة الصراع والدخول في سباق تسلح سيضر النشاط الاقتصادي العالمي والصيني.