هدنة اليمن..  «على غرار الترتيبات السورية»

هدنة اليمن.. «على غرار الترتيبات السورية»

جملة من التغيرات السياسية والعسكرية يمكن رصد عناصرها بإعلان «التهدئة الحدودية» في 9/3/2016, مروراً بأحداث تعز ونهم القريبة من العاصمة صنعاء, وليس آخرها إطلاق الإشارات الأمريكية بإمكانية تطبيق الهدنة في اليمن «على غرار الترتيبات التي طبقت في سورية»، حسب وزير الخارجية جون كيري.

 

في آخر التطورات على الساحة اليمنية، أعلن المبعوث الدولي إلى اليمن، اسماعيل ولد الشيخ أحمد، في 23 آذار الجاري، عن هدنة تبدأ منتصف ليل العاشر من نيسان المقبل، بإشراف الأمم المتحدة، لتلحق بهذه الهدنة جولة جديدة من المفاوضات تنطلق في الكويت، في الثامن عشر من الشهر ذاته. وإن كانت هذه الجولة الجديدة من المفاوضات ليست بالأولى، فما الذي يميزها عن سابقاتها من الجولات؟

تغيير وظائف العسكرة

 

اللافت في هذه المرحلة هو أن قوات الرئيس، عبد ربه منصور هادي، المدعومة من «التحالف العربي» بقيادة السعودية، ورغم تقدمها على محاور تعز، واحتدام المعارك في مديرية نهم على بعد 60 كيلومتر من تخوم العاصمة صنعاء، إلا أن ذلك لم يثير الشهية السعودية، كما درجت العادة، لاجترار مقولة «الحسم العسكري» ضد جماعة «أنصار الله» والقوات الموالية للرئيس السابق علي صالح، بل إن هذه التقدمات، ورغم استثمارها إعلامياً بما يعيد إنعاش فكرة «التقدم في تعز يفتح الطريق نحو صنعاء»، إلا أن الهدنة والمحادثات المزمع إطلاقها خلال الشهر القادم، تؤكد محاولات استثمار التقدمات العسكرية على المستوى السياسي، وليس في اتجاه مزيد من التصعيد الميداني. ففي حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية، أكد المتحدث باسم قوات «التحالف»، أحمد العسيري، أن العمليات العسكرية الكبيرة في اليمن «أوشكت على نهاياتها».

ويمكن ربط السلوك السعودي مؤخراً بالتوجهات الأمريكية المستجدة حول إمكانية تطبيق نموذج الهدنة في سورية على الحالة اليمنية، أي أن محصلة القوى داخل الإدارة الأمريكية- وضمن منطق ترتيب الأولويات في المنطقة الخاضع إلى موازين القوى الدولية الجديدة المتغيرة- بدأت تستشعر ضرورة دفع حليفها السعودي اتجاه تسريع الوصول إلى حلول تتناسب مع الوقائع في المنطقة بمجملها، وليس على أساس حسابات الميدان اليمني فحسب، تلك الوقائع التي تؤكد حتمية احتكام الأفرقاء اليمنيين إلى طاولة المفاوضات على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2216، بعيداً عن المناورات السياسية والعسكرية التي طالت منذ «الانعطاف» السعودي الأول، والمتمثل بإعلان الجبير في 28/10/2015 عن قرب انتهاء العمليات العسكرية في اليمن.

السعودية تحت الضغط

 

إلى جانب الضغوط السياسية على العسكرة في اليمن، والتي تصاعدت منذ إعلان عملية «عاصفة الحزم» في آذار من العام الماضي، فإن السعودية التي تقود تحالفاً تحت راية «دعم الشرعية»، تواجه في هذه المرحلة تصاعد حدة الانتقادات في أروقة الأمم المتحدة، بعد إعلان المفوضية الدولية لحقوق الإنسان في 18/3/2016، أن قوات «التحالف» قتلت في اليمن من المدنيين أكثر بمرتين مما تسببت به القوات الأخرى المشاركة في النزاع.

وفي سياق الضغوط ذاتها، وافق البرلمان الهولندي على مشروع قانون يدعو حكومة البلاد إلى وقف توريدات الأسلحة إلى السعودية، مشيراً إلى مقتل الآلاف من سكان اليمن جراء العملية العسكرية التي تقودها الرياض. فيما تواجه بريطانيا ضغوطاً مماثلة حول توريدات الأسلحة للسعودية. بينما يبدو أن هذا الضغط مرجحٌ للتصاعد خلال المرحلة اللاحقة.

يجري ذلك بالتوازي مع وصول الوضع الإنساني في اليمن إلى حدود مروعة، حيث أكد تقرير منظمة الفاو مؤخراً أن 14.4 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع استمرار الضربات الجوية لطيران «التحالف»، والذي أسفر يوم الثلاثاء عن قتل 119 مدنياً في محافظة حجة، ما دفع العسيري لأول مرة منذ بداية العمليات العسكرية إلى إعلان إجراء تحقيق في الحادثة، معرباً عن «أسفه» لسقوط الضحايا.