الانتخابات الإيرانية برامج ساخنة خلف رتابة المشهد..!

الانتخابات الإيرانية برامج ساخنة خلف رتابة المشهد..!

كانت مجريات يوم الجمعة الماضي، 26 شباط الحالي، مفصلية في مستقبل إيران خلال السنوات المقبلة، حيث يجري انتخاب هيئتين مؤثرتين في صوغ التوجهات السياسة والاقتصادية للبلاد في المرحلة المقبلة، وتلعبان دوراً مهماً في تحديد موازين القوى اللاحقة.

تتمثل الهيئة الأولى في «مجلس خبراء القيادة»، المكون من 88 عضواً، والذي يجري انتخابه بالاقتراع المباشر كل ثماني سنوات، ومن أبرز صلاحياته اختيار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، ومن المحتمل أن يحدد في ولايته المقبلة البديل للمرشد الأعلى الحالي، السيد علي خامنئي (76 عاماً). أما انتخابات الهيئة الثانية فقد بدأت على مستوى أعضاء «مجلس الشورى الإسلامي» (البرلمان، 290 مقعد)، في اليوم ذاته، وهو المجلس الذي سيلعب دوراً تشريعياً مهماً في الحياة السياسية والاقتصادية لإيران «ما بعد الاتفاق النووي».

فعلياً، بدأ الحراك الانتخابي قبل الموعد المعلن لإجراء الانتخابات، حيث دارت «معركة» انتخابية تمهدية بين التيارات السياسية المختلفة في إيران، وهي التيارات التي يجري عادة تصنيفها ما بين «محافظ» و«إصلاحي»، أثناء تقديم الترشيحات لـ«مجلس صيانة الدستور»، الذي يقع على عاتقه النظر بالترشيحات المقدمة، والبت بصلاحيتها، واستيفائها الشروط والقوانين الانتخابية.
صادق المجلس على ترشح 6229 من أصل 12123 متقدماً للانتخابات البرلمانية، و161 مرشحاً من أصل 800 متقدم لانتخابات «مجلس خبراء القيادة». وإثر الإعلان عن القوائم النهائية للمرشحين، دار سجال حام بين القوى السياسية حول شرعية استبعاد أعداد كبيرة من المرشحين، ومدى تسييس العملية من «مجلس صيانة الدستور» الذي يعين المرشد الأعلى نصف أعضائه. وبالرغم من أن الاستبعادات شملت مرشحين محسوبين على التيارين كليهما، «المحافظ» و«الإصلاحي»، لم ينقطع الجدال، كما هو متوقع، بين التيارات السياسية حول شفافية وصدقية التمثيل في المشهد السياسي الإيراني.
سجال سياسي وإعلامي
تقول «وكالة أنباء العمال» الإيرانية، المحسوبة على التيار «الإصلاحي»، أن 70 مرشحاً إصلاحياً فقط يواجهون 3000 مرشحاً محافظاً في انتخابات البرلمان، في حين يصعب تحديد هوية باقي المرشحين.
أما العنوان الأبرز لاستبعادات مرشحي «مجلس الخبراء» فكان استبعاد حسن خميني، حفيد مؤسس الجمهورية، السيد علي خميني، والذي يعدّه المتابعون مقرباً من «الإصلاحي»، هاشمي رفسنجاني، نظراً لاعتراض الأخير على استبعاده. في حين يرد الإعلام المحافظ، ويحتج في الوقت نفسه، بأن الاستبعادات شملت في المقابل شخصيات محسوبة على التيار المحافظ، كقسم من أنصار رئيس البرلمان الحالي، علي لاريجاني، وبأن عدد المرشحين الإصلاحيين أكبر بكثير مما تذكره وسائل الإعلام الإصلاحية، نظراً لاعتمادهم تكتيكاً انتخابياً يقضي بترشحهم كمستقلين..
قالبين أم أكثر؟
غالباً ما يجري تصنيف القوى السياسية الإيرانية على غرار التصنيفات المألوفة في التجارب الغربية، إذ يجري توزيعها على قالبين ثابتين: «محافظ- إصلاحي»، إلا أن الأمر في الواقع أعقد من ذلك بكثير، وهذا التعقيد يُشتق بدوره من طبيعة النظام السياسي في إيران الذي تتعدد فيه المراكز، وتلعب فيه أدوراً رقابية متبادلة، تحت إشراف عام ومؤثر من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، الذي يمتلك صلاحية تعيينه «مجلس الخبراء»، المنتخب بدوره انتخاباً مباشراً من المواطنين، إلا أن مرشحيه يخضعون قبلاً لمعايير «مجلس صيانة الدستور»، الذي يعين المرشد نصف أعضائه، ويجري تعيين نصفه الآخر من السلطة القضائية.
أما الرئيس والحكومة، فيضطلعون بدور السلطة التنفيذية، في حين تتمثل صلاحية البرلمان (مجلس الشورى الإسلامي) بالمصادقة على المعاهدات التي أبرمتها الحكومة، وإعلان حالة الطوارئ، وسحب الثقة من الوزراء والرئيس. في حين يلعب مجمع «تشخيص مصلحة النظام»، الذي يعين أعضائه المرشد الأعلى، دور الهيئة الاستشارية التي تفصل بين البرلمان و«مجلس صيانة الدستور»، عند وقوع خلاف بينهما  حول شرعية القرارات التي يصادقها البرلمان..
أي أن تعدد المراكز وممارستها أدواراً تنفيذية وتمثيلية ورقابية متبادلة على شكل حلقات أساسية وثانوية، تحت إشراف سلطة عليا، تتمثل بالمرشد الأعلى، هي سمة شكل الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الحركة السياسية: أعقد من التصنيفات السائدة
بالنسبة للحركة السياسية في إيران، يمكن القول أن شكلها مشتق بدرجة كبيرة من طبيعة التمثيل السياسي في إيران ضمن نظامها الحاكم. إذ يختبئ خلف تصنيفي «محافظ» و«إصلاحي» عدد من البرامج لتيارات سياسية واجتماعية متصارعة بين الاتجاهين، وأحياناً ضمن الإتجاه الواحد، وأعداد كبيرة من الشخصيات والأحزاب والقوى المدنية، التي لها دوافعها المختلفة لإجراء تحالفاتها السياسية والانتخابية، والتي تكون أحياناً عابرة لتصنيفات «إصلاحي- محافظ».
في الانتخابات الحالية، تظهر بنحو أوضح برامج القوى المختلفة، نظراً للأهمية القصوى لهذه الانتخابات، حيث سيناط على الأرجح بمجلس خبراء القيادة المقبل اختيار المرشد الأعلى الجديد، وسيضطلع البرلمان الجديد بدور مهم في تحديد طبيعة التوجهات والتشريعات لمرحلة ما بعد العقوبات، بعد نجاح طهران في انتزاع توقيع الاتفاق النووي الإيراني.
تيار رفسنجاني
يمثل رفسنجاني القطب الأبرز في الاتجاه «الإصلاحي» ذو التوجه الاقتصادي الليبرالي، الذي تتصدره أيضاً شخصيات «إصلاحية» معروفة، كمحمد خاتمي، ومير حسين موسوي، ومجدي كروبي، وغيرهم.
تظهر انتقادات رفسنجاني السافرة لاستبعادات مجلس صيانة الدستور لقسم من مرشحي البرلمان ومجلس الخبراء، حماسة شديدة لدى تياره بتجميع قواه، وذلك في مجلس الخبراء، من خلال تقديم حسن خميني (تم استبعاده) لكي يضطلع بدور لاحق في مجلس الخبراء وليطمح في اختياره مرشداً- آخذاً في حسبانه المكانة الدينية والعائلية التي يرثها، وكذلك من خلال الانتخابات البرلمانية التي لجأ فيها تيار رفسنجاني إلى بناء تحالفات مع قوى مدنية لديها مطالب في توسيع حرية التعبير والرأي، وهو ما يعبر عنه قسم من كتلة المرشحين «المستقلين» في الانتخابات البرلمانية.
«تيار الاعتدال» أو «الثبات»
حسب متابعين، فإن تحالفاً محتملاً سينشأ عقب ظهور نتائج هذه الانتخابات بين قسم من الإصلاحين، ممن يسمون أنفسهم تيار «الاعتدال» أو «الثبات»، وقوى محافظة، الأمر الذي سينسف بالعمق أن تكون التكتلات البرلمانية الكبرى حكراً على التوجهات الراديكالية الإصلاحية أو المحافظة. أي أن الجسور يمكن أن يجري مدها بين الإصلاحيين والمحافظين، الأمر الذي يعكس حقيقة أن لا تحولات كبرى في البنية السياسية الإيرانية ستطرأ من خلال الانتخابات الحالية، إلا أن المعركة حول الملفات الشائكة المقبلة سيجري ترحيلها إلى الأمام من خلال تحالف كهذا..
«المحافظون»
يبدي المحافظون ثباتاً أعلى في المجابهة مع الغرب والتمسك بالحقوق، من ناحية، أما برنامجهم فيعكس رغبة في التحكم بوتائر «الانفتاح» الاقتصادي المطلوب في مرحلة ما بعد العقوبات، مستفيدين من الإفراج عن الأصول المجمدة الإيرانية، 100 مليار دولار، إضافة إلى الميزات الاقتصادية التي اكتسبتها إيران في مرحلة العقوبات من حيث دور الدولة القوي الذي سد الكثير من فراغات الحصار، وعلاقات إيران مع حلفائها كالصين وروسيا، في مقابل تيار رفسنجاني الذي يجد أن جذب الاستثمارات الأوربية هو الترجمة الفعلية لرفع العقوبات عن طهران، تعبيراً عن «صُلحة» تاريخية مع واشنطن. من هذه الناحية بالذات يكتسب المحافظون شعبية أعلى من تيار رفسنجاني في المجتمع وفي جهاز الدولة، حيث تبدو هيمنتهم على مجلس الخبراء شبه محسومة.
وفي البرلمان، فإن تحالفات جديدة مرتقبة بين تيار «الاعتدال» وقسم من المحافظين يمكن أن تؤرض رغبة تيار رفسنجاني للامساك بدفة الحركة الإصلاحية بأكملها. لكن، ومن ناحية أخرى، فإن تيار رفسنجاني يمكن أن يستفيد من ثغرات النظام على مستوى الحريات والتعبير عن الرأي. حيث تصطف أوساط واسعة من النخبة والشباب في الحركة الإصلاحية من هذه البوابة تحديداً.
إن تغير موازين القوى العالمية، الذي تتراجع فيه الولايات المتحدة مقابل تقدم خصومها التاريخيين، ومن بينهم إيران، يضع الأخيرة أمام استحقاقات جديدة للمواجهة في المرحلة المقبلة، ويزيد في الوقت نفسه من درجة تشابك الملفات سياسياً واقتصادياً في خارج إيران وداخلها، الأمر الذي سيترجم جانباً منه نتائج الانتخابات المقبلة.