العنف الأمريكي.. و«شفافية» أصحاب الثروات
لم تكن أحداث مدينة فيرغسون الأمريكية، والأحداث المشابهة لها التي شهدناها جميعاً على مدار العامين الماضيين، سوى جزء قليل مما يحدث حقاً داخل الولايات المتحدة من عنف، وقمع دموي، ومظاهر عنصرية ضد ما يراد لنا أن نسلم بأنهم مجرد «سود».
كثرت في الفترة الأخيرة التقارير الإعلامية عن ارتفاع عمليات قتل «السود» في الولايات المتحدة على أيدي قوات الشرطة («البيض» بحسب التلميحات والغمز الإعلامي الغربي). وبالفعل، أطلقت الشرطة النيران على أكثر من 1000 شخص (من مختلف الأعراق) في الولايات المتحدة خلال عام 2015 وحده، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإعلام الغربي الذي غالباً ما يجري تصويره كـ«نموذج» للاقتداء به، لا يصرح بهذه الأرقام أولاً، ولو حصل أن غطى بعض تلك عمليات القمع، فإنه دائماً تعالج ضمن القالب المذكور آنفاً، ولا يقوم بتغطية هذه الجرائم، إلا لتمييع الصورة، وتصدير رأي يصب في نهاية المطاف لمصلحة أصحاب هذا الإعلام.
إمعان في «الديمقراطية»..!
في التاسع والعشرين من شهر شباط الماضي، تجمع نحو 300 شخص في وسط مدينة «سولت ليك سيتي» في ولاية يوتا، احتجاجاً على إطلاق الشرطة النار على مراهق أعزل في المدينة. ونظمت المسيرات مجموعة تسمى «يوتا ضد وحشية الشرطة»، وأدانت الحادث واصفة إياه بأنه «يحمل دوافع عنصرية»، فالشاب البالغ من العمر 17 عاماً، فارق الحياة بعدما أطلقت قوات الشرطة النار عليه، إثر «مشاجرة» خاضها مع رجل آخر وهو يحمل عصا مكنسة في يده..!
كيف تتعامل الإدارة الأمريكية (التي لم تنته تدخلاتها السياسية العسكرية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد) مع حدث بات حديث الساعة في الداخل الأمريكي، ويشغل حيزاً هاماً من اهتمام الشارع الأمريكي؟ يعلن ناطق رسمي باسم السلطات المحلية: «لقد أحيل الضباط المتورطون في حادث إطلاق النار إلى إجازة إدارية، وتحقق سلطات المدينة في الحادث»، بينما شوارع المدينة تغلي غضباً..
الصورة النمطية: «بيئات مخيفة»
إن كنا لا ننكر تنامي النزعات العنصرية في المجتمع الأمريكي، إلا أن ما لا يقبله عقل هو قصر التناقض الحاصل داخل الولايات المتحدة على التناقض الوهمي بين «أبيض- أسود»، في مجتمع يعيش أعلى مستوى من التفاوت الطبقي على الصعيد العالمي. ذلك على الأغلب، هو السبب الكامن خلف «شفافية» وسائل الإعلام الأمريكي في نقل الحدث «كما.. يريده أصحاب الثروات».
ما يريده أصحاب الثروات تحديداً هو تفريغ الاحتجاجات التي تتنامى في المجتمع الأمريكي، وخصوصاً في تلك البيئات الأكثر تهميشاً على أطراف المدن، من مضمونها الاحتجاجي الذي يطال في عمقه حالة التفاوت الطبقي، وتراكم الثروات في أيدي القلة على حساب الشريحة الأوسع من السكان.
أما تلك «البيئات المخيفة» التي غالباً ما يجري تصويرها هوليوودياً على أنها مرتع للعصابات والمجرمين فقط، فهي في واقع الأمر ليست سوى بؤر مقصودة للتهميش باتت أكثر من نصف قوتها العاملة خارج سوق العمل، وثلث أسرها على خط الفقر، وما يقارب 24% من سكانها دون خط الفقر هذا..! بيئات اضطر سكانها إلى رهن منازلهم ومستقبلهم للملاك العقاريين، بينما تشغل المنازل الفخمة الفارغة والمملوكة لعائلات مستقرة خارج هذه البيئات ما يزيد عن 35% من مجموع المنازل فيها..!