حريق ليبيا: شمال أفريقيا ليس وحده مهدداً..!

حريق ليبيا: شمال أفريقيا ليس وحده مهدداً..!

تدخل الأزمة الليبية مرحلة حاسمة من عمرها، بعد تشكيل «المجلس الرئاسي» المنبثق عن اتفاق «الصخيرات» في 17/12/2015 برعاية من الأمم المتحدة، والذي شكَّل «نقطة توافق» بين برلمان طرابلس وحكومة طبرق. وقد توقفت خطوات الحل خلال الأسبوع الماضي عند مطب منح الثقة لحكومة فايز السراج، المكلف من المجلس الرئاسي..

من وجهة نظر مغالية في محليتها، تبدو العرقلة الحاصلة في ليبيا نتاجاً للخلافات التفصيلية المتعلقة بالبرنامج الحكومي، وتوزيع الحقائب بين الحكومة وبرلمان طرابلس، غير أنه وبالنظر إلى الوضع الليبي كجزء من محيط مشتعل، وبالأخذ بعين الاعتبار التدويل الذي أصاب أزمة البلاد، فينبغي النظر إلى العناصر المتحكمة جدياً بالمشهد السياسي والعسكري على الأراضي الليبية.
واشنطن على شواطئ المتوسط
حسب موقع «The Daily Beast» الإخباري الأمريكي، فإن أعداد مقاتلين «داعش» في ليبيا قد ازدادت من 1000 إلى خمسة آلاف مقاتل في غضون أشهر معدودة. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون- بحسب الموقع المذكور، أن ليبيا قد أصبحت قبلة جديدة للـ«متعاطفين» مع التنظيم عبر العالم، بعد أن وجدوا أنفسهم أمام عقبات متزايدة عند السفر إلى العراق وسورية.
دور متخفي لحلف شمال الأطلسي يكمن وراء تسهيل عملية انتقال مقاتلي التنظيم من غرب آسيا إلى شمال أفريقيا، هذه الحقيقة التي لا يريد البعض الاعتراف بها، وجدت طريقها إلى تصريحات الدبلوماسي السابق، عمرو موسى، الذي وجه الاتهامات إلى «الناتو، الذي يدعي أنه لو طارت ذبابة فوق البحر المتوسط لعرفنا عنها»..!
وبالنسبة للإدارة الأمريكية، والتغير الذي يطرأ على دورها المهيمن في العالم، يبدو الملف الليبي مرتبطاً برغبة التيار الفاشي فيها بالاستثمار إلى الحد الأقصى في «داعش- ذراعها الفاشي الجديد في المنطقة»، كنتيجة للتطورات في سورية والعراق، ودخول روسيا، بثقلها السياسي والعسكري إلى تلك المنطقة، إذ تجد واشنطن نفسها مضطرة لسحب أدواتها، واستثمارها في مناطق أخرى، لا سيما في شمال أفريقيا.
من هنا، يمكن القول أن للولايات المتحدة أولويتين على الصعيد الليبي: الأولى، إبقاء حالة النزاع المسلح، وتوسيع رقعته في ليبيا من الحدود إلى الحدود، بهدف تثبيت وجودها العسكري على سواحل المتوسط (بحجة محاربة الإرهاب)، وإبطال مفاعيل الحلول السياسية التي تعني ضمناً إلغاء دواعي الوجود الأمريكي على هذه السواحل.
وتكمن الأولوية الثانية في المحافظة على ليبيا، كقاعدة تدريب وانطلاق للجماعات المتطرفة، واستغلال أي خرق ممكن إلى الداخل المصري والجزائري، وإبقاء هذه الدول في حالة استنفار تام لحماية أمنها القومي، خصوصاً بعد تزايد بوادر توجهات البلدين لنزع العباءة الأمريكية، والاتجاه أكثر فأكثر نحو علاقات تحاكي الوقائع الدولية الجديدة.
وجاءت الضربة الأمريكية «المنفردة» في ليبيا في الوقت الذي عملت فيه الأطراف الليبية على إيجاد صيغة ملائمة لحكومة الوفاق الوطني خلال الأسبوع الماضي، لتكمن إحدى الرسائل التي حملتها الضربة الأمريكية بأنه لا حل سياسي في ليبيا، وإن أردتم الحل السياسي فهو على أساس طلب التدخل الخارجي بقيادة أمريكية للقضاء على الإرهاب، وهو ما ترفضه الحكومة في طبرق، ودول الجوار.
تضارب المصالح:
أوروبا- الجوار الليبي
رغم تضارب المصلحة الأمريكية الأوروبية بالعمق حيال الملف الليبي، وخصوصاً قضية تمدد الإرهاب بالقرب من سواحل أوروبا، وتزايد أعداد المهاجرين عبر المتوسط إليها، إلا أن السلوك الأوروبي حيال تطورات الوضع السياسي الراهن، تبرهن على استمرار عقلية استعمارية سادت طوال العقود الماضية في تعاملها مع الليبيين، غير أن نتيجة هذه العقلية في الظروف الراهنة تصب أولاً في خانة الأهداف الأمريكية المباشرة في ليبيا.
يدعم الأوروبيون برلمان طرابلس ذا التوجهات «الإخوانية»، والذي يبدو أنه من الناحية السياسية، الضامن للاستثمارات والنهب الغربي، كما يؤيد البرلمان فكرة «محاربة الإرهاب» عن طريق طلب التدخل الخارجي المباشر من الناتو، وبالتالي، تثبيت الوجود الغربي في ليبيا إلى آجال زمنية مديدة، وهو ما يفسر تأجيل البحث في قضية رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي في مواجهة الإرهاب، والذي صدر بقرار دولي في مرحلة مبكرة نسبياً من عمر الأزمة الليبية.
في المقابل، فإن دول الجوار الليبي (مصر والجزائر)، المعنيتين مباشرة بالوضع السياسي والعسكري على الأراضي الليبية، متفقتان على ضرورة دعم الجيش الليبي، كأساس في محاربة الإرهاب بعيداً عن التدخلات العسكرية المباشرة. وفي هذا الصدد، أشار وزير الخارجية المصري، سامح شكري، عقب لقائه بنظيره الكويتي، صباح الحمد، يوم الثلاثاء 16/2/2016، إلى أنه «لن يكون هناك أي تدخل عسكري في ليبيا إلا بطلب من الحكومة الشرعية»، مؤكداً على أن «الشعب الليبي يستطيع بإمكاناته الحفاظ على وحدة أراضي بلده، والتصدي للتحديات كلها ومنها الإرهاب».
يبدو إصرار واشنطن على الاستثمار بالفوضى، وإصرارالغرب عموماً على إبعاد دول الجوار عن تيسير الحل الداخلي في ليبيا، مرحلة جديدة في الصراع على رسمة شمال أفريقيا، وربما خوف غربي من تمدد روسيا والصين نحو هذه المنطقة، بحكم علاقاتها الآخذة بالتطور في محيط ليبيا التي ينظر إليها الغرب كمحمية اقتصادية تاريخياً، إلا أن استمرار التدفق المتوقع لمقاتلي التنظيمات المتطرفة إلى ليبيا، سيضع الأوروبيين على المحك في الاختيار بين المصالح العميقة لشعوبهم، والاستمرار في التماهي مع السياسات الأمريكية من أجل مصالح اقتصادية ضيقة، وهو المرجح للظهور أكثر على السطح في المراحل اللاحقة من عمر الأزمة الليبية.