فلسطين لا يحررها «تبويس الشوارب»

فلسطين لا يحررها «تبويس الشوارب»

أجرت حركتا «فتح» و«حماس» الفلسطينيتان يومي 7/ 8 شباط الجاري في العاصمة القطرية الدوحة محادثات تتعلق بآليات تطبيق «المصالحة الوطنية»، المنصوص عليها فيما عرف بـ«اتفاق الشاطئ» في 23/4/2014، الذي غابت عنه فصائل «الجبهة الشعبية» و«الجهاد الإسلامي»..

بالعودة إلى «اتفاق الشاطئ»، ببنوده السبعة المقتضبة، يتضح أن الاتفاق الأولي حينها جاء في محاولة رأب التصدعات المتعلقة بتقاسم النفوذ السياسي  في الضفة والقطاع. وإن كان النص قد تضمن: «وقد استحضر الجميع المسؤولية الوطنية في العمل المشترك، وضرورة تعزيز الشراكة في السياسة والقرار، حتى يتسنى لشعبنا مواصلة مسيرته نحو الحرية، والعودة، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس»، فإن كلمة «مقاومة» لم ترد في توطئة وبنود النص المتفق عليه ولو لمرة واحدة!
المقصود هنا أن الخلاف الأساسي بين الفصيلين حول النظرة للعمل المقاوم تم تنحيتها، لتمرير الاتفاق الأولي حول المسائل السلطوية، وليعود الحديث أوائل هذا الشهر عن استئناف جولة المحادثات. فما الجديد؟
الجديد اليوم ليس في حال الفصائل المتنازعة، بل في الشارع الفلسطيني الذي يشهد حراكه تصاعداً في الأشهر الأخيرة، هذا الذي حرّك المياه الراكدة بين الفصائل، وبوساطة قطرية، ولو أخذ شكل تنازع السلطة، فالشارع المنتفض أكد مراراً في غزة على مبدأ المقاومة الشاملة للعدو الصهيوني، ويؤكد اليوم في الضفة الغربية على المبدأ ذاته.
وفي مقابل الثوابت الشعبية بالالتزام بخيار المقاومة الشاملة للكيان الصهيوني، انتقلت الكرة إلى ملعب الفصائل الفلسطينية التي إن كانت خلافاتها قد شكلت سابقاً مذبحاً للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فإنها اليوم، ومع تصاعد الحركة الشعبية الملتزمة بخيار المقاومة، لا يمكنها أن تهدد سوى تلك الفصائل ذاتها بأن يتجاوزها الحراك الشعبي موضوعياً، فإما التبني والسير في صف الحراك الشعبي المتصاعد، وإما ترك الشارع ليخرج في الظروف الموضوعية المناسبة عن طوع الحالة الفصائلية، نحو خيارات تعيد ترتيب الفضاء السياسي الفلسطيني على أساس متطلبات المرحلة، التي لم تعد الفصائل الفلسطينية تعطيها الأولوية، بحسب ما خرج من الاجتماع الأخير في الدوحة.
عني اجتماع الدوحة بقضايا تسليم المعابر، وتشكيل «حكومة الوحدة الوطنية»، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.. وغير ذلك من القضايا التفصيلية التي لا تجد لنفسها أساساً تبنى عليه، غير مشاريع «الصلحة» التي تقصر الوضع في فلسطين على وجود «نزاع» بين فصائل سياسية يجب تنحيته من خلال الاتفاقات على شكل «الحكم» فقط، في وقت يحتاج فيه الحراك الشعبي أكثر ما يحتاج إلى وجود برنامج سياسي وطني قائم على أساس الالتزام الكامل بالمقاومة الشاملة للكيان الصهيوني.
عبر حراكه المستمر بأشكال عدة، يفعِّل الشارع الفلسطيني التناقض الأهم في الحالة الفصائلية، وهو مدى الالتزام بخيار المقاومة الشاملة من عدمه. وربما ما لا يدركه المجتمعون في الدوحة مؤخراً أن نتائج القفز فوق الثوابت الشعبية لا تقتصر على فشل المحاولات الهادفة لضعضعة الأساس الذي يجب أن تبنى عليه المصالحة الفلسطينية، بل أيضاً بفشل مسبق لأية محاولة هادفة إلى ترسيخ «تبويس الشوارب» على حساب الشعب.