«آسيان»: «ضربة إعلامية» ومراوحة سياسية..!
تبرز منطقة شرق آسيا كواحدة من النطاقات الجيوسياسية التي يوليها رأس المال المالي العالمي الإجرامي أهمية قصوى، بوصفها إحدى نقاط الارتكاز التي ينبغي، من وجهة نظر الإمبريالية، العمل على تصعيد التوترات السياسية فيها، لما لها من أهمية بالغة بالمعنى الاقتصادي.
من ولاية كاليفورنيا الأمريكية هذه المرة، انطلقت يوم الاثنين 15/2/2016، أعمال قمة دول «آسيان»، التي تضم كلاً من كمبوديا، ولاوس، وبروناي، وإندونيسيا، والفليبين، وسنغافورة، وميانمار، وماليزيا، وتايلاند، وفيتنام. إنها الدول التي تشكل معاً «سابع اقتصاد عالمي»، حسبما أصر مستشار السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي، بين رودوس، على تكراره كثيراً.
السيطرة المفقودة..
كان انعقاد قمة قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» في منتجع «سانيلاندز» في كاليفورنيا سابقة من نوعها. القمة التي تمحورت فعلياً حول الصراع الجاري في بحر الصين الجنوبي، والتفاصيل العالقة في اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، شكلت مفتاحاً في يد واشنطن لبحث جديد عن متنفس لسيطرتها المفقودة في المنطقة، في مقابل تنامي الصعود الصيني هناك.
بدت الإدارة الأمريكية، التي كانت مسؤولة مباشرةً عن الصراعات المثارة بين دول «آسيان» ذاتها، «حريصة» هذه المرة على النمو الآسيوي، بعيداً عن الصين. وشكل الصراع حول بحر الصين الجنوبي- المعبر الاستراتيجي للتجارة العالمية، والغني بالثروات النفطية والسمكية- واحداً من لوازم واشنطن للتحكم في مستوى العلاقات بين دول القمة (التي تسيطر على حكوماتها نزعات اللبرلة الاقتصادية) والصين. وتأتي «قمة كاليفورنيا» في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة فرض موقف موحد لمصلحتها حول هذا الصراع، وذلك في إطار التحضير السياسي لحكم قضائي من المتوقع أن تصدره محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، التي ترفض الصين الخضوع إليها، نظراً للهيمنة الأمريكية الحاضرة في معظم المؤسسات الدولية وأفرعها القضائية.
الميزان في الاتجاه الصيني
رغم الضخ الإعلامي واسع النطاق، إلا أن حسابات الربح والخسارة التي ستحسم الصراع حول ملف بحر الصين الجنوبي لا تزال غير واضحة المعالم بعد. حيث لا تزال حظوظ الإدارة الأمريكية في تعميم النزاع بين دول «آسيان» والصين محدودة بسقوف النزعة المزدوجة في العلاقات الاستراتيجية التي تبديها دول المجموعة. إذ أن الكثير من الدول المذكورة، لا تزال تبدي حرصاً للحفاظ على المظلة الأمنية التي تؤمنها لها الولايات المتحدة، والحفاظ على العلاقات الاقتصادية المتينة مع الصين التي تحمل في جعبتها الكثير من المشاريع الاستراتيجية الوازنة في المدى المتوسط والبعيد.
وفي هذا السياق، تؤكد صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، أنه لا يزال أمام الولايات المتحدة طريقاً طويلاً لتلحق بالصين على صعيد ربط اقتصادات هذه الدول بها، وتشير الصحيفة إلى أن الصين لا تزال الشريك التجاري الأكبر لدول «آسيان»، حيث ارتفعت التجارة بين الطرفين بحلول عام 2014 إلى أكثر من 480 مليار دولار، فيما تؤكد الاتفاقات الأخيرة الموقعة وجود طموح لدى هذه الدول برفع إجمالي التجارة مع الصين إلى ما يقارب تريليون دولار بحلول عام 2020. وتؤكد الصحيفة أيضاً أن دول المجموعة تعمل حالياً على بناء روابط اقتصادية أكثر متانة مع الصين، من خلال مساعيها الحثيثة للانضمام إلى «البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية»، وكذلك إلى مشروع «الطريق الواحد والحزام الواحد» وهو الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديدة.
ورغم التضخيم الإعلامي لفكرة سفر قادة المجموعة إلى الولايات المتحدة لعقد قمتهم، إلا أن مجريات القمة التي أفردت لها الصحف الأمريكية ذاتها مساحات كبيرة على صفحاتها، تشير إلى أن تلك الخطوة لم تخرج عن سياق الاستهلاك الإعلامي الهادف إلى تصدير صورة البيت الأبيض الذي «لم يزل قادراً على مواجهة التحديات العالمية الوازنة والتحكم بها»..!