اقتصاد أوروبا.. والخيار النووي
وأضاف وولف وهو كبير الخبراء الاقتصاديين في الصحيفة الشهيرة أن الأوضاع الراهنة تدفع باتجاه تبني هذا الخيار رغم المحاذير المرتبطة به, إذ ينظر إليه بوصفه «خيارا نووياً» اقتصادياً، موضحاً أن البديل لذلك سيكون ما سماه «عقدا مفقوداً» (LostDecade) من النمو الاقتصادي, في إشارة إلى توقف نمو الاقتصاد الياباني في عقد التسعينيات لعشر سنوات.
وقال وولف- الذي يعد أحد أكثر المعلقين الاقتصاديين تأثيرا في العالم- إن الأفق يحتشد بنذر ركود اقتصادي جديد في بريطانيا ودول أوروبية أخرى بعد أقل من أربع سنوات من «الركود العظيم» الذي هز العالم عام 2008.
وأضاف أنه إذا ما وقع هذا الركود، فسيكون كارثة محققة على ملايين العاملين الذين سيفقدون وظائفهم, وأولئك الباحثين عن فرص عمل, والطامحين في بناء مستقبل مشرق.
ويشير الكاتب إلى أن الخطر الأكبر لاقتصاد بريطانيا ودول القارة عموماً هو حدوث هبوط حاد في أسعار العقارات، وهو ما سيخلق مشكلات مالية عميقة للأسر والمصارف. ويضيف «في حال غرق اقتصاد القارة في ركود ثان، فستكون أولى ضحاياه الثقة الهشة في قطاع الأعمال التي لا تزال تقل بنسبة 20% عن مستوياتها ما قبل الأزمة الراهنة».
وقال وولف إن وقوع ركود ثان في ظرف أربع سنوات سيحدث مشكلات هيكلية وسيكون أطول وأكثر كلفة (من حيث الإنتاج الضائع) من «الكساد العظيم» الذي ضرب الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، وستكون تأثيراته عميقة بما في ذلك بريطانيا التي لا يزال إجمالي ناتجها المحلي أقل مما كان عليه في الأزمة بنسبة 4%.
«ما المطلوب»؟ يتساءل الكاتب الذي يجيب بالقول إن «أول مهمة تنتظرنا هي التخلي عما يسميه عضو اللجنة السياسية النقدية الأوروبية آدم بوسن، «السياسة الانهزامية». بوسن يقول إن «التاريخ الاقتصادي الحديث يظهر لنا أن الحكومات عادة تعاجل حالات التباطؤ الاقتصادي بالتخلي سريعا عن برامج الحفز الاقتصادي، وهي أهم أدوات إنعاش الاقتصاد».
«ولهذا يصبح الحفاظ على ديمومة الطلب أمراً بالغ الحيوية. ومع بلوغ إجراءات التقشف الاقتصادية العامة ذروتها لتصل إلى مستويات «انتحارية»، ومع استنفاذ خيارات السياسات النقدية التقليدية، تصبح طباعة النقود (التيسير الكمي) خيارا محتوماً». ويقترح بوسن طبع 50 مليار يورو, ثم 75 ملياراً, ومن ثم 100 مليار يورو».
ويمضي بوسن ليقترح خطوتين مبتكريتين لتعزيز العرض، إنشاء مصرف سلطة حكومية لتوفير القروض لقطاع الأعمال الصغيرة، ومؤسسة أخرى لتوريق القروض الخاصة بالمشاريع المتوسطة والصغيرة.
ومن البدائل المقترحة بهذا الشأن، إنشاء مؤسسة أو وكالة جديدة تتحمل المخاطر المترتبة على إقراض المصارف للمشاريع المتوسطة والصغيرة.
وعندها سيبدو ذلك الإجراء خيارا معقولا بوسع الحكومة أن تتبناه للتشجيع على إقراض قطاع الأعمال الصغيرة عوضا عن مجرد توفير الضمانات للمصارف فقط.
ويقول وولف إنه شخصيا يفضل خيار «الأموال المروحية» (وهو تعبير ابتدعه المنظر الاقتصادي المعروف ميلتون فريدمان، في إشارة إلى طباعة النقد وضخها في الأسواق بكميات كبيرة)، بحيث تتاح هذه الأموال للجمهور على نطاق واسع عبر الحكومة. وبهذا توفر البنوك المركزية الأموال للحكومات, وتتحول إلى مصارف تجارية توفر القروض للمستثمرين.
غير أن البعض- يضيف الكاتب البريطاني- قد يجادل بالقول إن اللجوء إلى البنك المركزي لتمويل الحكومات من شأنه أن يتسبب في حدوث تضخم في الأسعار. لكن الكاتب يقول إن هذا الاستنتاج خاطئ، فلا رابط مباشراً بين الأموال التي يضخها البنك المركزي والتضخم. التضخم لا يحدث إلا في حالة حدوث زيادة مفرطة ومزمنة على الطلب، فما دام البنك المركزي يحتفظ بحق وقف الطباعة (التيسير الكمي)، فلن يترتب على تلك السياسة أي مخاطر تذكر».
ويختم وولف بالقول إن الخطر الأكبر هو أن يستمر ضعف الطلب، وهو ما سيقود حتماً إلى إضعاف العرض وزيادة مستويات البطالة والفقر في البلاد ومفاقمة الدين العام, قائلاً إن «الخطر الداهم، باختصار، أن تتكرر التجربة اليابانية وتجد أوروبا نفسها أمام «عقد مفقود» من النمو الاقتصادي، علينا التحرك الآن لكي لا يحدث ذلك».