بكاء «الإخوان المسلمين»: هل تنتهي الرحلة باستنساخ حقبة مبارك؟
وائل عبد الفتاح وائل عبد الفتاح

بكاء «الإخوان المسلمين»: هل تنتهي الرحلة باستنساخ حقبة مبارك؟

بكى الرئيسمسح عينه من دموع هربت بدون استئذان ولا مراعاة إلى مكانه على المنصةالمتحدث في القاعة ليس نائباً فحسب، ولا من تنظيمه السياسي فقط، لكنه أب لمُصاب تحوّل إلى «لوحة رماية» لرجال الشرطة في 28 كانون الثاني الماضيسعد الكتاتني لميتمالك نفسه، فقلبه لا يزال خارج السلطةلا يزال يشعر بأن مكانه لم يترسخ على المنصة، وأنه سجين سابق، ومطارَد سابق، ومحظور عن العمل السياسي سابقاًالنائب أكرم الشاعر انفجر في أول مداخلته وهو يتحدث عن الشهداء في أول جلسة للبرلمانانفجار عاطفيوسياسي، لكنه لم يتخطَّ الخطوط الحمراءلا يزال عند الحكومةلم يشعر بأن الأفق مفتوح أمامهقال «لا نريد أموالاً، نريد محاكمة القتلة، وإذا لم تعد الحقوق بالقانون، فسيهدر القانون ونحن نريد دولة دستورية».

البكاء في البرلمان مشهد جديد ودراما جديدةبعد سنوات من حكم «ثقل دم» رئاسي ينقل عدواه إلى الجميع، تذكّر صديق مشاهد افتتاح حسني مبارك للبرلمان العام الماضي، ومحاولته أن يصبح كوميدياً على المنصةالمحاولة هي التي كانت تضحك وليس خفة روحه.الديكتاتور بغلظته كان يغلق محابس الهواء، ويسحب الطاقة من مشاهديه على الشاشات قبل مشاهديه في البرلمان والحزب وطاولات الاجتماعكل هذه كانت منصات للديكتاتور، لا شيء أكثر من ذلكهناك مؤسسات وطقوس، لكنها لم تكن أكثر من مسارح لاستعراضمفتوحهذا ما يثير التفكير في دراما البكاءهل يتصور «الاخوان المسلمون» أن هذه المؤسسات مسارح لاستعراض الضحية بعد انتصارها؟

لماذا تجاهلوا شهداء قُتلوا على يد المجلس العسكري وهم يبكون الضحايا؟ لماذا أرسلوا برقية إلى المشير حسين طنطاوي ومجلسه؟ لماذا يسيرون وكأن شخصاً غامضاً رسم لهم خطوط السير بالطباشير؟ لماذا استخدموا ماكينات التصفيق الاتوماتيكية، وكأن النواب جمهوروليسوا صناع الحدث؟

من حق «الاخوان» أن يشعروا بالفرحة الكبيرة بعد ٨٠ سنة من رحلة السياسة الطويلة، وهذا ليس تقليلاً من انتصارهم في الانتخابات، ولا غضباً من حصولهم على ٤٣ في المئة من الأصواتاللحظة التي جلس الكتاتني فيها على مقعد رئاسة مجلس الشعب مؤثرة،ومحاولته التأكد أن المقعد موجود وأنه لا يحلم، وأن لا خطأ في مقاييس المقعدالكتاتني على مقعد ذهب من التصق به 22 عاماً إلى زنزانته في مزرعة طرةهل رأى الرئيس السابق للمجلس فتحي سرور مشهد الافتتاح التي كان بطلها؟ هل عرف مبارك أن طقوس مجلسهسارت كلها بدونه، وأنه لم يعد له مكان في الاستعراض الجديد؟ المحاكمة استعراض سريع لم يلفت الانتباه كثيراً لأن مخرجه قصير النفس، ومشاهد المومياء الثابتة لا تثير الفعل الدرامي وحتى كوميديا المحامي فريد الديب الذي هرب إلى بيروت عشية مرافعته، بعدما باعممتلكات عقارية، وحجز في طائرة عودة في كانون الأول المقبلحكاية مثيرة تسرّبت في عز اللحظات العاطفية أوصاف لها مثلمسرحيةتمثيليةمهزلة.

لا يزال الديب يتصور أن المومياء في مكانها في قصر الرئاسة، وأنه بدلاً من المحاكمة، لا بد من عودته إلى حيث يمكنه أن يحاكم الذين أبعدوه عن كرسيهرحلته من الكرسي إلى السرير تجسّد حالة الشيخوخة التي أدار بها الأيام العصيبة، وتجمع حاشيته مع العائلة فيالمزرعة بينما الزوجة وحيدة وخائفة 

تبادُل الأدوار عصيّ على الاستيعاب العقلي والعاطفي بسهولة، وتلخصه دراما الانتقال من حاشية مبارك إلى «الاخوان المسلمين». دراما يعشق جمهورها صيحة «سبحان الله» للتعبير عن الدهشة والعجبنائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» عصام العريان مقيَّداً بيدواحد من جنود الأمن المركزي في طريقه إلى المعتقل، هو نفسه الذي يستقبل كبار قادة وزارة الداخلية على باب مجلس الشعبومبارك بعد وصلات الدم الثقيل، يصمت كأنه فقد النطق إلا همهمات تعلن عن وجوده الرسمي عندما يناديه القاضيرحلة مهمة في تاريخالسياسة المصرية لكنها إلى أين تقود مصر؟

رحلة الضباط الأحرار، ورغم النبل والفدائية والجسارة ليلة ٢٣ يوليو 1952، قادتنا إلى جمهورية استبداد كاملة الأوصافأنور السادات كان سجيناً لكنه سجَن قبل رحيله 1536 معارضاً سياسياً، فالنوايا الحسنة ونبل الزعماء لا تصنع دولاً ديموقراطية طيبةكما أنالسير على خطا الحزب الوطني ووفق طقوسه، لا يجعل «الاخوان» جديرين بملء الفراغ السياسي بعد نظام مباركتحلم الثورة بدولة جديدة، ويصر «الاخوان» على تطبيق لائحة قديمة، ويرسلون برقية شكر لمن يجلس على مقعد الحكم، وأخيراً يحذفون من مطالبهمشهداء قُتلوا بأوامر من هؤلاء الذين أرسلوا لهم الشكر.

ماذا يعني البكاء هنا؟ هل يعني أن مجلس الشعب سيحاسب السلطة التنفيذية التي قتلت شهداء محمد محمود والقصر العيني وكل من قُتل بعد إزاحة مبارك؟ أم أنها بروفة يجرب فيها كل «اخواني» الدور الذي كان يلعبه نجوم حاشية مباركمن سيكون أحمد عز؟ ومنسيلعب دور زكريا عزمي وكمال الشاذلي؟ هل فعلاً ستنتهي الرحلة إلى الاستنساخ؟

■■