السعودية وتحولات الربيع العربي
تناقضت المواقف السعودية فيما يتعلق بالثورات العربية، اذ أخذت مرة شكل التدخل الخارجي المباشر كما حدث في البحرين، ومرة أخرى اتخذت صورة دبلوماسية كما حدث بالنسبة لسورية حين تم سحب السفير السعودي من دمشق. ولا يغيب عن الذهن أن السعودية هيالدولة الوحيدة التي تجرأت على استقبال الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بالإضافة إلى موقفها المتناقض من أحداث مصر من الثورة المصرية، تفسير هذا الاضطراب في الموقف السعودي يعود إلى الدور الإقليمي التاريخي للسعودية كأحد وكلاء تنفيذ المشاريعالغربية، مضافاً إليها الصراع مع إيران.
ما لاشك فيه أن النظام الحاكم في السعودية لديه مخاوف جدية من حالة المد الشعبي في الشارع العربي، ويتوقع العديد من المراقبين سقوط النظام السعودي مثله مثل غيره، وعليه فإن السعودية لا يمكن أن تكون الأب الروحي للثورات العربية التي تريد الخروج إلىفضاءات سياسية جديدة بغض النظر عن محاولات التحكم بمآلات الانتفاضات العربية، وحسب المحلل الألماني هانز ارنست: «لقد تلقّت السعودية أمراً غير معلن بدفن رأسها في التراب حتى إشعار آخر».
ويبدو النفاق السعودي صارخاً في الحديث عن الأمن الوطني، والوقوف في وجه المد الإيراني وما تعنيه فقط هو الحفاظ على الأنظمة التي تدور في فلكها لا أكثر ولا أقل، وهي إذ تتهم إيران فإنها تفعل ذلك كضربة استباقية حتى لا تصل عدوى الثورات إلى دك عرشالعائلة المالكة.فالنظام السعودي يقاتل ليس فقط ضد التأثير الإيراني، بل ضد كل الحركات الديموقراطية في المنطقة».
وداخلياً، انتهجت السعودية سياسة العصا والجزرة. فمن جهة أخمدت الاحتجاجات التي شهدتها المناطق الشرقية من البلاد، بصورة سريعة، واتهمت أياديَ خارجية بالوقوف وراء الاحتجاجات، وخصوصاً في المناطق الشيعية. ومن جهة أخرى، قامت بإصلاحات هي أشبهبالرشى من شأنها تحسين معيشة المواطنين. لكن مساحة الحريات العامة في المملكة العربية السعودية، ما زالت تواجه انتقادات كثيرة من المنظمات الحقوقية، فالمرأة لا يُسمح لها، حتى الآن، بقيادة السيارة.
وتتوقع مصادر غربية وفرنسية تحديداً أن السعودية هي المحطة المقبلة في حركة الشارع العربي المتنقلة. وتضيف هذه المصادر أنه بغض النظر عن الأحداث السورية، تبقى السعودية هي المرشح المقبل لحركة الشارع، أما أوضاع اليمن فلا تناسب الوضع السعودي.وربما يؤدي تنحي صالح إلى استمرار الاضطرابات الشعبية، وزيادة الغضب على السعودية، الأمر الذي سوف يؤثر على الأوضاع على الحدود.
وبدأت إرهاصات التصدع الأولية في الجدار السميك للعائلة المالكة بعد وفاة ولي العهد السابق، سلطان بن عبد العزيز، وتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز، ولياً جديداً للعهد، تنفيذاً لرغبة الملك عبد الله، كمؤشر على خلافات مرشحة قد تتفجر بالمملكة بين الأحفاد منالجيل الجديد. وقد بدأت البوادر الأولى باستقالة الأمير طلال بن عبد العزيز من هيئة البيعة. وهذا جعل دوائر القرار الغربية تنتظر تحرّك الشارع السعودي في أية لحظة. أما مظاهر التمرد في منطقة القطيف ليست سوى مقدمة للتحرك الشعبي الأوسع، الذي لا بد من أنهيقترب في السعودية. كما أن استمرار الاحتجاجات في البحرين، رغم التدخل العسكري السعودي والخليجي، والتعتيم الإعلامي العربي والغربي، يعد تحدياً كبيراً للسلطات في الرياض، لأنه سوف يشجع الداخل السعودي على التحرك.