!الرجعيات العربية، والفيتو الروسي
في زمن ينتمي إلى الذاكرة القريبة بمقاييس عمر الشعوب والبلدان، وتحديداً عام 1947، أرغت الرجعيات العربية وأزبدت، وحمّلت مسؤولية تخلفها وتبعيتها المطلقة إلى الدوائر الغربية وشراكتها في مسؤولية تقسيم فلسطين إلى الاتحاد السوفياتي ليس دفاعاً عن الشعب الفلسطيني بل تبرئة للمسؤول الحقيقي عن كارثة التقسيم وهو الغرب الرأسمالي عموماً والدوائر الانكليزية الأمريكية على وجه التحديد, إلى أن كشفت الوقائع والأيام المسؤول الحقيقي عن بيع الشعب الفلسطيني في سوق المشاريع الدولية، وكشفت من يستخدم الفيتو تلو الآخر منذ ذلك الوقت لمصلحة اسرائيل، واليوم في ظروف الأزمة السورية تنبري« امبراطورية قطر العظمى» لتلعب دور الأسلاف في هذا المجال، في لحظة نهوض قوة دولية، تحاول أن تضع حداً للتطاول الغربي على شعوب العالم، فروسيا اليوم حسب نظريات «رسول الديمقراطية» الجديد الشيخ حمد هي المسؤولة عن كل الدماء السورية النازفة, وروسيا هي عدو العرب, وروسيا هي التي لاتسمح بسقوط النظام، وما إلى ذلك من محاولة «شيطنة» روسيا في الوعي الجماهيري.
هذا التجييش الإعلامي ضد الموقف الروسي اليوم يتجاوز - كما نعتقد - حيثيات المسألة السورية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ويتعلق بالوقائع الجيوسياسية الجديدة التي بدأت تتبلور في الساحة الدولية، بعد انكفاء الدور الأمريكي على خلفية الأزمة الاقتصادية، والفراغ الناشىء جراء ذلك، والدور الروسي في ملء هذا الفراغ
وبعبارة أخرى أن البروباغندا الإعلامية السافرة تأتي لقطع الطريق على أي لاعب دولي آخر وخصوصاً إذا كان هذا اللاعب دولة مثل روسيا، صاحبة الدور التاريخي بالوقوف إلى جانب قضايا العرب, لاسيما وأن احتمالات تطور الموقف الروسي الداخلي وبروز قوى جديدة تحاول أن ترسخ الدور الروسي الصاعد، و تعيد لروسيا أمجادها لأول مرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, يتقاطع ويتوافق مع تقدم المارد الاقتصادي الصيني، مع ما يمكن أن يشكله ذلك من ضرورة تغيير نوعي في بنية العلاقات الدولية برمتها، بسبب ما يمتلكه هذا الثنائي الجديد من قوة عسكرية«روسية» من جهة، وقوة اقتصادية « صينية » من جهة أخرى، من هنا كما نعتقد يمكن فهم «اعلان حرب» الرجعيات العربية على الدور الروسي في الأزمة السورية، والتي يقومون بها وكالة عن دوائر الامبريالية العالمية.
لايمكن لأحد أن ينكر أن الأزمة السورية وصلت إلى مديات خطيرة جداً، وأن نزيف الدماء السورية يجب أن يتوقف، ولا يمكن لأحد أن ينكر مسؤولية النظام في ذلك, ولكن بالمقابل لايمكن أبداً نسيان أن تجييش الإعلام العربي الرجعي منذ بداية الأزمة وإلى اليوم قد حمّل الحركة الشعبية السلمية المشروعة مهمة تفوق طاقتها انطلاقاً من توازن القوى على الارض, مما سمح للقوى المشبوهة أن تركب موجتها وتستغلّ ظروفها للتحكم بمسارها خدمة لمشاريع أخرى معادية.
واليوم في الوقت الذي تحاول الدبلوماسية الروسية حل الأزمة بعيداً عن التدخل الخارجي، والتي أعلنت صراحة بضرورة البحث عن حل سياسي للأزمة، وسعيها من أجل ذلك مع كل الأطراف، جنّ جنون كل القوى المعادية، التي لاتريد الوصول إلى حلول آمنة، ليس لأن الموقف الروسي يدعم النظام كما تزعم تلك القوى بل لأن الخروج الآمن من الازمة في سورية يتناقض مع مصالح ومشاريع الدوائر الامبريالية الغربية ووكلائهم في المنطقة، التي كان لها أهمية استراتيجية بالنسبة للادارة الامريكية دائماً، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تنطوي على احتمال مواجهة أمريكية غربية مع القوى الصاعدة على المسرح الدولي وخصوصاً روسيا والصين.