!!عباس « الملك المتوج » في إعلان الدوحة
فاجأ المؤتمر الصحفي الذي شهدته الدوحة، بحضور عباس ومشعل، وبرعاية أميرها، الشعب الفلسطيني وأبناء الأمة العربية . سبب الدهشة التي أصابت العديدين، أن الإعلان قد ظهر في ذلك المكان، لأن المسار الطبيعي لاستكمال دور«القاهرة» عبر سنوات متابعتها لملف «المصالحة» على مدى سنوات، وتحديداً منذ أيار/ مايو2011 ، فرض على كل المعنيين بتطورات الملف، أن يكون «الآذان والصلاة» في مصر، حصراً. لكن أية قراءة موضوعية، تحليلية، ستتمكن من الإلمام برموز ودلالات اختيار المكان في هذا الوقت بالتحديد. كانت الإمارة، المسكونة، بحالة «العَظَمَة» التي وفرتها لها، الإمبريالية الأمريكية، والغربية عموماً، من خلال الدور الوظيفي «المحلي والإقليمي» تسعى وبسرعة الضوء، لاسترداد «ماء وجهها» المسفوح في أكثر من إقليم وساحة عربية. وهنا، يجب التنويه بما قاله المندوب الروسي فيتالي تشوركن في مجلس الأمن، في معرض رده على استفزاز حمد بن جاسم داخل قاعة الهيئة الدولية.
لم تكن حساسية المكان - في هذه المرحلة التي تلعب فيها الإمارة دورها الوظيفي- هي التي فرضت ظلالها السوداء على الإعلان، بل إن التنازلات الكبيرة التي أقدمت عليها قيادة حماس مؤخراً، كانت استمراراً لنهجٍ بدأت تتوضح ملامحه منذ لقاءات القاهرة في مايو/ أيار الفائت. فـ«التفويض لعام جديد لعباس» لبرنامجه ونهجه، الذي قدمه «مشعل» في حفل الإعلان عن الاتفاق، كان منعطفاً حاداً وشديد التحول في مسيرة حماس، والذي وصل في محطات كثيرة على طريق إدارة الانقسام للتوافق مع رؤية سلطة المقاطعة في رام الله المحتلة، للكفاح المسلح، والتبشير بنهج المقاومة الشعبية، ناهيك عن القفز عن جذر الموقف: اتفاق أوسلو الكارثي، الذي تتم كل الخطوات الراهنة، منذ أكثر من عام، في الغرف التي تشهد حوارات الفصائل حول «المصالحة» تحت سقف بنود الإعلان/الاتفاق سيء الصيت. ويترافق كل ذلك الحديث عن «معالجة الانقسام» بخطوات إدارية/إجرائية « الانتخابات، الحريات العامة، المصالحة المجتمعية، أجهزة الأمن ...» مع إغفال مقصود لمناقشة برنامج النضال الوطني التحرري المقاوم . كما أن انفراد حماس بتوقيع الإعلان، بعيداً عن حلفائها من تنظيمات فصائل المقاومة، التي شاركتها لقاءات القاهرة وعمان ضمن إطارات ما تمخضت عنه «المصالحة» يؤكد في هذا الجانب على سلوك فئوي، ثنائي. إن قراءة موقف حماس في إعلان الدوحة، يتطلب رؤية «خيارات» الحركة الإسلامية منذ بدء الحراك الشعبي العربي في أكثر من ساحة. وفي هذه الخيارات - التي لا تغيب عن ذهن قادة الحركة - تبدو جغرافية المكان، المحكومة بالمواقف السياسية في هذه المرحلة الاستثنائية، ذات دلالة في إعادة رسم الاصطفاف في المشهد السياسي المحلي، الذي يتماهى مع تطوراته الإقليمية .
إن النقد الذي يوجه لبنود الإعلان الجديد، يجب أن لا يتوقف - رغم أهمية ذلك - عند مخالفته لبنود القانون الأساسي للسلطة، وتوافقه أو تعارضه من البندين ( 45 و 46 ) . وهذا ما تحدث به أحد قادة حماس، نائب رئيس كتلة « التغيير والإصلاح » في المجلس التشريعي إسماعيل الأشقر في معرض تعليقه على ما حصل بالدوحة « إن الإعلان مخالف للقانون الأساسي وتجاوز للمجلس التشريعي» . إن الإقرار لعباس برئاسة حكومة « الكفاءات » التي ستتشكل كما قال نبيل شعث في مقابلة مع إذاعة صوت فلسطين المحلية ( الثلاثاء 7 / 2 ) تتوافق ومتطلبات الرباعية، مضيفاً: «أن الاتحاد الأوروبي أسقط شرط الاعتراف بإسرائيل، مكتفياً بالالتزام بعملية التسوية والاتفاقات السابقة» . إنها أحجية اللعب بالكلمات « أسقط الاعتراف، وأبقى على الالتزام بالعملية والاتفاقات »؟!. كما أن الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف القريب من حماس والمقيم في قطاع غزة، قال في حديث نشرته وكالة صحفية محلية «الإتفاق باطل، لكونه جاء من مخالفته للقانون الأساسي الفلسطيني الذي لا يسمح بالجمع بين رئيس السلطة ورئيس الوزراء ويفصل بينهما». مشيراً إلى «أن إعلان الدوحة الذي نتج عنه، تعيين الرئيس رئيسا للوزراء، مخالف أيضا لاتفاق المصالحة في القاهرة الذي نص على أن تكون الحكومة الانتقالية رئيسها وأعضاؤها مستقلون أو من «التكنوقراط» إلا أن رئيس الوزراء الذي تم اختياره هو رئيس حركة فتح». ورئاسة الحكومة ستضيف لعباس موقعاً جديداً في «المسؤوليات» فهو: رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين، القائد العام لحركة فتح، القائد الأعلى للقوات المسلحة الفلسطينية، رئيس الوزراء الفلسطيني. ومنصب رئاسة الحكومة جاء بناء على اقتراح من خالد مشعل، في خطوة لافتة في هذا التوقيت حسب ما صرح به مسؤول ملف المصالحة، وعضو وفدها في الدوحة عزام الأحمد أن «فكرة تولي عباس رئاسة الحكومة التوافقية طرحتها حماس في الجلسة الثلاثية الأولى التي ضمت أمير قطر وعباس ومشعل، ووافق عليها الرئيس فوراً». وأوضح أن «الفكرة قديمة وكان الرئيس يرفضها باستمرار، وأنا شخصياً بحثت فيها مع الأخوة في حماس قبل سنتين وكانوا يترددون في قبولها، لكن بعد ذلك قالوا لا مانع».
رغم كل الحماسة التي أبداها البعض للإعلان، لكن اللافت في أحد التقارير المنشورة في صحيفة عربية تصدر في بيروت، ما تحدث به، بعفوية وصدق، أحد أبناء رام الله المحتلة على الاتفاق ، متسائلاً «عن «رقم التوقيع»، قبل أن يضيف:« فقد رأينا القيادات الفلسطينية أكثر من مرة توقع اتفاقات المصالحة وتعود لتكرر خطاب الانقسام. لا يشعر المواطن بأي تغيير ما بقيت السياسات كما هي: اعتقالات، إقصاء وظيفي، سياسة أمنية مشددة من الجوازات، ومنع الصحف من التوزيع، وكل هذه المظاهر موجودة رغم توقيع عدة اتفاقيات وتأليف عدة لجان». ويتابع: «الفصيلان الكبيران يوقّعان للهروب من مآزق معينة. هناك أسئلة كثيرة لا تزال من دون أجوبة مثل تعارض هذا الاتفاق مع الاتفاقات السابقة بتعيين رئيس حكومة مستقل، وعرض الحكومة على المجلس التشريعي؟ كيف سيتعامل الرئيس مع مهمة جديدة تضاف إلى مهام رئاسة منظمة التحرير وحركة «فتح» والسلطة؟ »
إن القوى السياسية والمجتمعية، المتمسكة ببرنامج المقاومة والتحرير، مطالبة على ضوء التطورات المتسارعة في المنطقة، تدارس ما يحصل، بأوسع مشاركة شعبية، لصياغة برنامج عمل سياسي/مجتمعي وكفاحي، يجيب على الأسئلة المشروعة التي يحملها كل الوطنيين.