قطب إقليمي جديد،أم دور خاص
تستدعي ذاكرة المرء مواقف الحكام من ثورات الربيع العربي ويلاحظ أن أكثر السياسات إثارة للنقاش هي المواقف الرسمية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية خاصة وأن تلك المواقف والسياسات تتناقض مع سياساتها الراهنة المتعلقة بالأزمة السورية.
وذاكرة الأشهر غير البعيدة تشير إلى أن المملكة العربية السعودية أظهرت عداءها للثورة التونسية وعندما أضطر زين العابدين بن علي للرحيل لم يجد أفضل من السعودية ملاذاً، وربما أنها الدولة الوحيدة التي قبلته على أراضيها.
وقد دعمت السعودية حسني مبارك سواء عند مجابهة رجاله للثورة أو عندما تنحى وحتى في داخل زنزانة المحكمة وضغطت السعودية بصورة مباشرة وعبر قنوات أخرى، بصورة مباشرة، كي يتم إخلاء سبيل حسني مبارك ووجدت العديد من الذرائع الإنسانية والوطنية والعربية.
ولم تبخل السعودية بدعم علي عبد الله صالح واضطرت لوضع خطة لإنقاذه، ولسنا في وارد التأييد لملك البحرين وتقديم مختلف أشكال المساعدة والدعم له.
إلا أن مواقف السعودية إزاء الأزمة السورية كانت من نوع آخر فهي دفعت بالأزمة إلى التدويل ولعبت دوراً محورياً في جعل الجامعة العربية تذهب في الشعاب السعودية وتخطى الموقف السعودي الأنشطة السياسية مضيفاً الإلحاح على تسليح المعارضة تحت حجة الدفاع عن النفس.
وقبل كل شيء فالسعودية مملكة مازالت تحكم بالجلد وليس من معارض في بقاع الأرض لفكرة أنها مملكة خاوية من حيث قيم العدالة والمساواة ناهيك عن سياساتها التي تنبذ الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان ومن البدهي القول أنه ما من إنسان يعيد تطور الموقف السعودي إزاء الأزمة السورية إلى أنها دولة ديمقراطية تسودها العدالة والحريات.
والشعب السوري الذي يريد حكماً جمهورياً ديمقراطياً تسوده العدالة وحكم القانون ويحاسب الفاسدين، لا تتضمن أفكاره ميزات للحكم السعودي تخوله المقارعة في ميادين تلك القيم، الشعب السوري يريد التغيير الفعلي والانتخابات الديمقراطية وحرية النشر وغيرها من القيم، ومن البلاهة الفكرية والسياسية أن تجابه الإصلاح السياسي في الجمهوريات العربية بمواقف السعودية وسياساتها الداخلية، إن ذلك المنحى ينتهي إلى إدانة الحكومات الجمهورية التي ليس فيها الكثير من الوقائع الكافية إلى كونها جمهورية وديمقراطية أو أنه تجري فيها الانتخابات النزيهة وفيها التندر بنسبة الـ 90% التي عاشتها الجمهوريات العربية خلال عشرات السنوات.
إن تطور الموقف السعودي وتحوله إلى موقف مؤثر في الأزمة السورية يعود إلى جملة من العوامل خاصة وقد ترافق مع تراجع ملحوظ للدور التركي بما أعلنه أردوغان وحكومته في مراحل سابقة.
إن الدور السعودي في الأزمة السورية والسياسات التي أخذت تمارسها بما فيها الدعم المالي لتونس وليبيا وكذلك الدعم المالي لمصر ومجابهتها العلنية للفيتو الروسي وتأثيرها في مواقف بعض الدول العربية كل ذلك يدفع للتساؤل هل نحن بصدد قطب إقليمي أخر أم أن الأمر محصور بسورية لاعتبارات عدم الرضا عن العلاقات السورية الإيرانية ناهيك عن العوامل الذاتية المعروفة.
وإذا توخى المرء جوانب في المنطقة فإنه يصل للقول إن الحديث يدور عن أقطاب إقليمية يتنافسون على النفوذ والهيمنة على الدول العربية ويجعل العرب يكررون التساؤل التاريخي «نحن مع من» ولا غرابة إذا قلنا إن نجاح التيارات الإسلامية في العديد من الجمهوريات العربية جعل الأنظار الأمريكية تتجه نحو إبراز السعودية أكثر فأكثر على الساحة العربية والإقليمية وخاصة وأن لها علاقاتها تاريخية مع أوساط تلك التيارات ناهيك عن أن السعودية طرحت نفسها كدولة إسلامية، وفي السعودية الأماكن المقدسة المعروفة، وأضحى ملكها ملقباً بخادم الحرمين. وتستطيع السعودية أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في تكوين تكتل جمهوريات لمقابلة الحكم «الشيعي» في إيران، وما ينسب إليه من مطامع في المنطقة العربية بما فيها السيطرة على سواحل الأبيض المتوسط وإنهاء النفوذ الأمريكي وكانت مشكلة الجزر الإماراتية الثلاث مادة هامة في أدراج الدعاية الخليجية.
أليس من البدهي القول إن القتال في سورية وتصاعده وتزايد ضراوته بسبب استخدام مختلف الأسلحة، أليس ذلك ما ساعد حكام السعودية والولايات المتحدة للاندفاع نحو قطب «سني» عربي خاصة وأن مصر تغوص الآن في مشاكلها السياسية والاقتصادية، أنضيف أن الورقة التركية لا يعني أنها نحيت ولكنها قد تجد التاريخ سنداً سلبياً في تلك العلاقات العربية، ألم يكن السجال الفكري بين إخوان مصر وأردوغان مؤشراً يتعدى المسائل الفكرية التي نوقشت آنذاك، ويضاف إلى ذلك أن القدرات الاقتصادية السعودية لا يجد المرء ما يقابلها حتى في مجالات السياسات الاقتصادية التي أبرزت السعودية في عدد من المواد الغذائية، كما لا نجد جمهوريات يمكنها إدانة التوجهات السعودية حيث علاقات الإنتاج الرأسمالي الشاملة ولم يعد بالإمكان مواجهة وضع الإقرار بعد أن استشرى الفساد وشكل في الجمهوريات أمراء له.
إن الإعلام والنشاط السعودي بتقديم السعودية ليس فقط كونها دولة اسلامية، بل يطرحها باعتبارها دولة سنية تتعدى اهتماماتها حدودها لتصل إلى أنها حامية للسنة في العالم العربي بما يخدم كما نعتقد استراتيجية تفعيل الصراع السني الشيعي، والتي تعتبر احدى ادوات الهيمنة الامريكية على المنطقة عبر ضرب الكل بالكل، والعمل على التناقضات الثانوية( سني – شيعي مثلاً) وتجاهل وتغييب التناقض الأساسي بين شعوب المنطقة والمراكز الرأسمالية وامتداداتها من الكومبرادور المحلي.
من أبسط الاستنتاجات الوطنية أن مواجهة خطط السعودية تتطلب وبدون إبطاء الأخذ بالأزمة السورية نحو مسارات جديدة أولها إيقاف استخدام الأسلحة كافة وعودة مختلف القوى إلى ما كانت عليه قبل اندلاع المظاهرات السلمية.