من فارض عقوبات إلى طالب استثمار..!
تجري هذه الأيام الاستعدادات الرسمية لتنفيذ «اتفاق فيينا» الموقع في 14/7/2015 بين مجموعة «5+1» وإيران، في وقت صادق فيه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي على الاتفاق، ووجه فيه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مذكرة إلى المسؤولين المعنيين لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الالتزامات الأمريكية بشأن رفع العقوبات المفروضة على طهران.
في مقابل هذا المشهد، تجري استعدادات من نوع آخر، حيث ينتظر الغربيون لحظة رفع العقوبات لحصد ما يمكن من عقود الاستثمارات، وتحديداً في قطاعي النفط والصناعات الإيرانية الثقيلة، بينما تجري الحسابات السياسية في الإقليم على أساس التغيرات في موازين القوى الإقليمية والاقتصادية المتوقع في المرحلة المقبلة.
الاقتصاد الإيراني: الخسارات قوة كامنة
بناءً على مرحلة الحصار الطويل، اضطرت إيران إلى إيجاد نموذجها «الخاص» للحفاظ على الاقتصاد من الانهيار، رغم ما يقال عن انخفاض الناتج المحلي بنسبة 20%، وخسارة في إنتاج النفط قدّرت بـ3 مليون برميل نفط يومياً كانت تنتجها البلاد قبل الحصار، إضافة إلى تعطيل ثلث الطاقة التشغيلية للصناعة الإيرانية، وتجميد ما يقارب 150 مليار دولار في البنوك والمصارف الأوروبية والأمريكية، وسط تضارب في الأرقام.
وعلى أبواب فك الحصار، تحولت خسارات إيران في سنين الحصار إلى قوة اقتصادية كامنة، سرعان ما سيظهر أثرها على اقتصادات المنطقة، وفي وزن إيران الإقليمي في المرحلة القادمة. فالدولة قادرة في السنة القادمة على تحقيق نسب نمو تصل إلى 5%، ومرجحة للارتفاع إلى 8% في السنتين التاليتين، فيما يحتمل ارتفاع إيرادات النفط الإيراني إلى ما يزيد عن 50 مليار دولار سنوياً، مما ينحو بإيران لتجاوز حدود الوزن الإقليمي، وتكوين إطلالتها الدولية، وقوتها الفاعلة ضمن الاقتصادات الصاعدة.
التأخير يعزز مواقع التفاوض
راهن الغرب مراراً على انهيار داخلي في إيران بفعل العقوبات الاقتصادية المشددة، والتي لا شك أنها أرهقت إيران كدولة، وتضرر الشعب الإيراني بشكل مباشر بنتيجتها. لكن التغير في ميزان القوى الدولي في السنوات الأخيرة، وتثبيت الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة، والثبات الإيراني المدعوم من الحلفاء الدوليين، روسيا والصين، على حقوقه في إنتاج الطاقة النووية سلمياً، أضحى مع مرور الوقت عاملاً ضاغطاً على الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، لتحصيل «أفضل الممكن» بدلاً عن أوهام تحقيق الانتصار النهائي في هذا الملف.
وعلى طول السنوات الثلاث الأخيرة التي تسارع فيها منحى المفاوضات صعوداً، وفي كل مرحلة من مراحل التأخير الغربي لإنجاز الاتفاق، كانت مواقع التفاوض الإيرانية تتعزز، على وقع التغيرات الكبرى عالمياً، فضلاً عن الضغوط التي يعاني منها الغرب في مجمل الملفات العالقة دولياً، وهو ما سرع في الأشهر الأخيرة طي الملف، والتعامل مع إيران النووية كواقع من الممكن أن يغير المناخ الإقليمي، ويسرع الحلول في باقي الملفات المشتعلة، كالملفين السوري واليمني.