واشنطن وتكلفة «التمحور حول آسيا»
انعكست الاستراتيجية الأمريكية في «التمحور حول آسيا» بالموقف العدواني الأخير لواشنطن في نزاعات بحر الصين الجنوبي. وكان ذلك بمثابة نتيجة مباشرة لانخفاض الولايات المتحدة من أكبر شريك تجاري لمجموعة «آسيان»، إلى المركز الرابع. وفيما كانت التجارة مع الولايات المتحدة تشكل 20% التجارة الخارجية للمجموعة، انخفضت اليوم إلى ما يقارب 8% فقط.
ترجمة قاسيون
عملياً، لا تملك الولايات المتحدة الأمريكية القدرة على المناورة في الاقتصاد الآسيوي. فالتطور السريع في آسيا، إلى جانب صعود الاقتصاد الصيني خصوصاً، بات يجذب البلدان الآسيوية إلى بعضها، ويربطها مع بقية العالم وفق نظام جديد أفضل. إنها آسيا (الصين وروسيا ضمناً) التي كان لها أن تكتسب القدرة للتأثير على الولايات المتحدة في شتى أصقاع العالم.
ما الذي يجبرنا؟؟!
اللافت للنظر، هو أنه، ومنذ العام 2005 تقريباً، تزيد معظم البلدان والمناطق الآسيوية من صادراتها إلى الصين، حيث تجاوزت الصادرات الآتية إلى البر الرئيسي الصيني الصادرات الذاهبة إلى الولايات المتحدة من عددٍ من البلدان الآسيوية، التي درجت على التعامل مع الولايات المتحدة خلال القرن الماضي. كذلك، فقد تجاوزت الاستثمارات الآسيوية في الصين، نظيرتها في الولايات المتحدة أيضاً. وحتى في المساعدة الإنمائية، تقدم الصين، على سبيل المثال، أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي إلى كمبوديا، في حين أن الولايات المتحدة لا تقدم أكثر من 70 مليوناً..!
في منطقة صاعدة اقتصادياً، كآسيا، لا يبدو السبب وراء خفض التدخلات الأمريكية في آسيا عائداً إلى التراجع في القوة الأمريكية الغارقة في اقتصادها الراكد فحسب، بل أيضاً بسبب أن استراتيجية «التمحور حول آسيا» تعتمد أساساً على الريادة والسيادة الأمريكية في هذه المنطقة، التي لا توجد أسباب لا اقتصادية ولا عسكرية ولا اجتماعية تدفعها للخضوع إلى واشنطن.
زعيم سابق..
يجري الترويج للاستراتيجية الأمريكية في آسيا في مسارين مزدوجين، الأول يعتمد على دفع التعاون مع الصين إلى الأمام، وفي الوقت نفسه، يتمثل المسار الثاني في منع الصين من الحفاظ على القوة المناسبة لتحدي مواقف واشنطن. وهنا، يبدو عجز هذه الاستراتيجية متجسداً في النمو السريع، ليس للصين فقط، بل لآسيا كلها.
وعلى الغرار ذاته، فإن السياسة الاقتصادية والتجارية الأمريكية في آسيا، تعتمد على «مساعدة» الاقتصادات الآسيوية الناشئة حديثاً للاندماج الكامل في نظام التجارة والاستثمار العالمي الذي تضع واشنطن قواعده وقيوده، وقد جرى تصميم هذه السياسة أصلاً بما يتناسب مع وجهة النظر السابقة بوصف الولايات المتحدة «زعيماً عالمياً».
لم تدرك واشنطن أن هذه القارة الآسيوية التي اعتادت عليها الولايات المتحدة تابعة لأسواقها لم تعد كذلك اليوم، إذ أن العلاقات التجارية بين الدول الآسيوية تتعمق، ويزدهر معها الاستثمار المتبادل، لا سيما في مجالات تعزيز البنى التحتية الحكومية. وهنا، لا نتحدث عن خروج الولايات المتحدة من آسيا كلياً، بل إننا فقط نؤكد على أن الولايات المتحدة لم تعد تلعب دوراً قيادياً في القارة التي أصبحت، بربطها مع باقي العالم، هي المحرك العالمي.
إلى ذلك لنا أن نسأل، كيف يمكن للولايات المتحدة، التي لم يكن دورها إلا تدمير التطوير الآسيوي والعالمي، أن تشارك في إعادة بناء النظام العالمي، والآسيوي معاً؟
*عن «Global Times» بتصرف..