عن «الصفقات» والأوزان الدولية
مع التغير الحاصل في المشهد الإقليمي، المستند إلى تغيرات الأوزان الدولية، كثيراً ما يجري ربط بعض بوادر الانعطافات التي أبدتها دول المنطقة، وبعض الانعطافات الأكبر التي يمكن استشرافها لاحقاً، رغم محاولات العرقلة والممانعة القائمة، بـ«صفقة روسية- أمريكية».
بالعودة إلى واقع التغير في موازين القوى الدولية، فقد انعكست سلسلة الانكسارات الأمريكية وما لحقها من إرهاصات الانسحاب الأمريكي التدريجي من المنطقة، باضطرار واشنطن للتعامل وفق نمطٍ «جديد»، تحكِّم فيه مصالحها السياسية بالدرجة الأولى، وبما يتوافق مع المقتضيات الحديثة للصراع، وهذا ما شكَّل تعارضاً مع مصالح حلفائها وأدواتها التي باتت تشكِّل «أحمالاً زائدة» لا يقوى البيت الأبيض على حملها طويلاً.
من هذه الزاوية، يمكن فهم حالات الانعطاف التي بدأت، وتلك التي سوف تبدأ. إذ وجدت الكثير من الدول - نفسها المحسوبة على واشنطن حتى الأمس القريب- مضطرة للاعتراف بالتراجع الأمريكي عالمياً، في مقابل انفتاح أفق التعاون مع القطب المناهض للهيمنة الأمريكية، وبما ينهي تكلفة السياسات العدوانية للبيت الأبيض عن عاتق هذه الدول.
في موازاة ذلك، تغدو محاولات تصوير هذه الانعطافات وكأنها ناتجة عن تغير ليس في موازين القوى الدولية، بل عن انتصارات إقليمية ومحلية، هنا وهناك، ضرباً من التعنت والوهم، ورؤية قاصرة غير قادرة على تحليل المشهد العام للمتغيرات في العالم. وسريعاً ما ستصطدم هذه المحاولات بجدار «الحقيقة العنيدة»، وستجد نفسها مضطرة هي، كما غيرها، للتعامل وفق المتغيرات الكبرى التي لن تقف عاجزة عند أعتاب قوى التشدد، الواهمة بإمكاناتها على عرقلة وإبطاء مفاعيل هذه التغيرات.
إن حالات الانعطاف المذكورة تحكمها، في الدرجة الأولى، المصلحة العميقة للدول التي غرقت بالتورط في المشروع الأمريكي حتى أذنيها. وهنا، يبدو جلياً أن ركاماً كبيراً من الخلافات العالقة بين عددٍ من الأطر الإقليمية ستنجرف تبعاً للمصالح المشتركة، وعلى أرضية المشاريع الكبرى التي تتخذ مسارها بعيداً عن سكة البيت الأبيض.
على هذا الأساس، تبرز عملية دفع الحلول السياسية، والسير قدماً في نزع فتائل أسبابها، بوصفها العوامل التي ستساهم في تسريع رسم معالم نظام عالمي جديد حقاً، بما يضع حداً للويلات التي تنصب على البشرية اليوم بفعل تعنت قوى رأس المال وقوى الفاشية والتشدد على المستويات كافة.