انتصار الحل.. وانعكاساته على المنطقة
«ما هي تداعيات توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست على المنطقة؟»، هو السؤال الأكثر رواجاً منذ توقيع الاتفاق. فإذا كان من البيِّن تأثير هذا الأخير على الوضع الداخلي لإيران، فما تأثير الاتفاقية على الإقليم ككل؟
بالنظر إلى الإنجازات العلمية والعسكرية لإيران، على الرغم من ظروف مرحلة الحصار الغربي الجائر عليها، فإن مرحلة ما بعد العقوبات التي بدأت ملامحها ترتسم بتوقيع اتفاق فيينا، سوف تسمح لإيران بالاستفادة من جزء هام من قدراتها التي كانت مجمدة سابقاً بفعل العقوبات، وهو ما سينعكس على وزنها وأدائها في المنطقة.
إيران والمنطقة الهادئة
بعد توقيع الاتفاق، فإن إيران مرشحة بشدة لرفع معدل نموها في المرحلة القادمة بنسبة 8%، ولا شك في أنها قادرة على ذلك، نظراً لما تملكه من إمكانيات علمية وبنى تحتية وقوى عاملة، فضلاً عن الثروات الكبيرة، وذلك ما سينعكس على دورها الإقليمي، في ظل التغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة.
تشترك إيران الإقليمية مع القوى الصاعدة دولياً، لا سيما روسيا والصين، في تعارض مصالحها العميقة مع المشروع الأمريكي والغربي في المنطقة والعالم، وفي دورها المطلوب في أيًّ من الحلول السياسية التي ستشهدها ملفات المنطقة، حيث غدت الحلول السياسية هي الاستراتيجية الفاعلة التي تستخدمها القوى الصاعدة في سبيل إنجاز تراجعٍ أمريكي آمن على البشرية. وهو ما تعمل واشنطن على عكسه تماماً، بحكم نفوذها المتآكل شيئاً فشيئاً في الشرق وأوراسيا، ما يدفعها لتأجيج الحرائق من أوكرانيا إلى ليبيا، كأداة تمثِّل في أحد أوجهها، وسيلة تأجيل وعرقلة لعملية تثبيت الوضع الدولي الجديد الجارية. على هذا، يمكن القول أن المضي في فرض الحلول السلمية، يغدو ضرورة موضوعية لهذه الدول الصاعدة، ومن بينها إيران إقليمياً، ويحدد مدى ثبات تطورها اللاحق والنمو الذي تطمح إليه.
منطق الصفقات ودعاة الحلول العسكرية
في سياق الحديث عن التفاعلات الأولية التي تلت توقيع الاتفاق، تجدر الإشارة إلى أن أوساطاً سياسية وإعلامية مختلفة في المنطقة، باشرت الترويج لفكرة «الصفقات» الأمريكية- الإيرانية، وكأن الموضوع قد جرى من تحت الطاولة. وبنظرة سريعة على ماهية المروجين لتلك الفكرة، يتبين أن معظمهم عرّابي «الحلول» العسكرية، والمتألمين، تبعاً للضرر الواقع على مصالحهم، من تنامي خطاب الحلول السياسية، والدفعات الكبرى التي تلقاها هذا المسار خلال الشهور الماضية، وعند القول بالمتألمين نتيجة لصعود منطق الحلول السياسية، فالإشارة هنا إلى تقاطع مصالح القوى المتشددة، أمريكياً وصهيونياً، ولدى مختلف أطراف الأزمات المشتعلة اليوم.
وفيما تلى اتفاق «النووي» مع مجموعة «5+1»، بدا أحد المؤشرات في الملف السوري وإن كانت أولية لكنها مرشحة للتصاعد في سياق تفعيل مسارات الحل السياسي للأزمة. فعقب التوقيع في فيينا مباشرةً، أكد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أهمية أن تكون إيران جزءاً من حل الأزمة السورية، موضحاً أن حل الأزمة يتطلب أن يكون هناك اتفاق بين القوى الكبرى المهتمة بسورية، و«هذا لن يحدث في ميدان المعركة». مع العلم أن الولايات المتحدة عملت جاهدة على إبعاد إيران عن مساعي الحلول السياسية على طول الخط.
التعاون والحلول.. سمة المرحلة المقبلة
كذلك، فإن بحث قضية الإرهاب في المنطقة، وفق الطرح الروسي، والذي توازى مع المراحل الأخيرة لتوقيع فيينا، تزداد إمكانيته جدياً بتضمينه لإيران، المنتصرة في ملفها النووي، ضمن التعاون الإقليمي في مكافحة هذه الظاهرة الأمريكية الصنع.
إن توقيع الاتفاق يعني في المقام الأول أن الظرف الدولي والإقليمي، قد أصبحا ناضجين لحل الأزمات المختلفة، ويؤكد تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً، وتغير موازين القوى فيما يخص الصراع مع الكيان الصهيوني في المنطقة، وتضييق إمكانيات استخدام النزاعات الداخلية على أساسات ثانوية على الطريقة الأمريكية.
إلى ذلك، يبدو حل الملف الإيراني إحدى حلقات الربط التي ستؤثر على غيرها من الملفات، وتدفعها باتجاه الحلول خلافاً للمصلحة الأمريكية، وهنا يمكن القول أن الفرصة تنفتح أكثر فأكثر للأوزان الداخلية للعب دورٍ فاعل في تحديد مخرجات الأزمات المشتعلة، في إطار تغيرات الظرف الدولي والإقليمي الناتج عن عملية التراجع الأمريكي، وما يقابلها من صعود للمحور المقابل.