على هامش الأخبار.. في صلب المعركة!!

على هامش الأخبار.. في صلب المعركة!!

تحتل الأخبار «الحربية» والسياسية المساحة الأكبر ضمن المشهد الإعلامي، وتترك للخبر الاقتصادي فاصلاً صغيراً قبل النشرة الجوية، في الوقت الذي يكون المشاهد قد أنهك فيه تماماً من أصداء المعارك.. المعارك التي ليست في حقيقتها إلّا صدىً وتكثيفاً للمعارك الاقتصادية التي نضيء هنا على بعض من جولاتها..

الحرب لإنعاش الاقتصاد

بعد ثلاثة أيام من إطلاق السفن الحربية الأمريكية صواريخ «كروز» على شمال سورية، وقعت وزارة الحرب عقداً بـ251 مليون دولار لشراء المزيد من صواريخ «توماهوك» من شركة «رايثيون»، حيث أنعشت «داعش» صناعة الأسلحة التي انتكست منذ 2011 ما أدى إلى عمليات اندماج الشركات من أجل خفض الإنفاق، وتخفيض عدد العمال. واستفادت شركات تصنيع الذخائر والأسلحة من الهجمات الأمريكية الأولى على العراق وسورية التي قدرت تكلفتها بنحو مليار دولار يومياً (تسدد الدول النفطية العربية القسط الأساسي منها)، وطلبت وزارة الحرب الأمريكية من الكونغرس تمويلاً إضافياً لـ«محاربة الإرهاب»، واستهدفت الغارات الجوية الأمريكية مركبات عسكرية أمريكية الصنع من طراز «همفي» وغيرها، قيل أن «داعش» استولت عليها من القواعد العسكرية في شمال العراق، وبذلك ستحتاج الحكومة العراقية لشراء معدات عسكرية جديدة كتعويض لما خسرته. إضافة إلى ذلك فإنّ حلفاء واشنطن من المشاركين في الحرب على سورية والعراق (السعودية والإمارات والأردن والبحرين وقطر) استخدموا أسلحة وعتاداً أمريكيين خلال 75 غارة شنتها طائراتهم على سورية خلال أسبوع، وقدر عدد الغارات الجوية الأمريكية منذ الثامن من آب بـ250 غارة في العراق، إضافة إلى الغارات الفرنسية والبريطانية لاحقاً..
بالمحصلة فإنّ مبيعات شركات الأسلحة الأمريكية قد ارتفعت بنسبة 9% بفضل مشتريات الدول النفطية العربية، بعد أن انخفضت بنسبة 4% منذ 2011، أي بعد إعلان أمريكا خروج جزء من قواتها من أفغانستان. بعد الإعلان عن صفقة شراء السعودية أسلحة أمريكية بقيمة 1,75 مليار دولاراً، من تصنيع شركتي «رايثيون» و«لوكهيد مارتن»، ارتفعت أسهم الشركتين بقوة في البورصة رغم الفضائح التي نشرت عنهما مؤخراً، وارتفعت أسهم شركة «رايثيون» إلى مستوى قياسي بعد الغارات على سورية، حيث أطلقت القوات الأمريكية في اليوم الأول 47 صاروخ «توماهوك» من تصنيع شركة رايثيون، بتكلفة 1,59 مليون دولاراً للصاروخ الواحد وأعلن أحد مسؤوليها أن صعود «داعش» سينعش تجارة الأسلحة الثقيلة والباهظة في الخليج، وكانت السعودية والإمارات من بين أكبر خمس مستوردي أسلحة في العالم بين سنتي 2012-2013، بحسب «المعهد الدولي لأبحاث السلام» في ستوكهولم آذار2014، وتعتبر السعودية أكبر زبون للأسلحة البريطانية بقيمة ستة مليارات دولار بين 2008 و2012، كما سيعقد في السعودية في بداية شهر كانون الأول 2014 مؤتمر دولي للدفاع والأمن برعاية شركات الأسلحة الأمريكية

اليوان يهاجم الدولار!

قامت كل من الصين وسنغافورة باستثناء الدولار من التداول في التجارة بين البلدين، والاعتماد على العملات الوطنية دون وسيط، وقد بدأت التبادلات التجارية المباشرة بين اليوان والدولار السنغافوري في السوق البنكية الصينية للعملات وسوق الصرف الأجنبي في سنغافورة، يوم 28 تشرين الأول.
وقبل شهر من ذلك، تخلى اليوان عن ارتباطه بالدولار الأمريكي في علاقته باليورو، وأصبح يتعامل بشكل مباشر مع الدولار الأمريكي والأسترالي والنيوزيلندي وكذلك مع الين الياباني والجنيه الإسترليني والروبل الروسي والرنجيت الماليزي، ويرى ياكف بيرغر الخبير في معهد دراسات الشرق الأقصى، أن هذه القائمة سوف تكبر بسرعة.
وأشار الخبير إلى أن «هذا التوجه لليوان يزداد قوة مقابل الكثير من العملات، وكذلك تطوير اتفاقات المقايضة التي تعمل بها الصين مع نحو 30 دولة. وتدويل اليوان يزيد من استقرار النظام النقدي العالمي، ويقلل من هيمنة الدولار، الذي يخضع لتقلبات كبيرة، وإلى جانب اليوان تنخرط في عمليات التداول المالي العالمي بعيداً عن الدولار عملات الدول التي تملك الصين معها علاقات متينة في مجال التجارة وتبادل الأموال».
ويلفت الخبير إلى الطابع الهجومي الذي يميز تحركات الصين في جعل عملتها وحدة تبادل دولية في الحسابات التجارية، وهذا هدف تأسيسها لبنك استثمارات البنى التحتية في آسيا، وقد وقعت على هذا المشروع، يوم الجمعة الماضي في بكين، 21 دولة، يقول بيرغر:
«هذا تحد واضح للمؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فالصين تقيم مع نظرائها ببنائها لهذا البنك نظاماً مالياً ومصرفياً جديداً، توظف استثماراتها باليوان وتشجع شركاءها على أن يحذوا حذوها، وبذلك يقوم نظام جديد بديل لنظام الدولار الأمريكي».
عارضت الولايات المتحدة بشدة إنشاء الصين البنك الآسيوي للاستثمارات في مجال البنى التحتية، وكانت السبب في عدم مشاركة الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكوريا الجنوبية، يقول بيرغر أن أمريكا ستحاول إعاقة الصين بأي طريقة كي تحافظ على هيمنة الدولار وتمنع إقامة نظام نقدي متعدد المراكز في العالم، وكمثال على ذلك يضيف:
«توفي منذ مدة وجيزة نيل ماكينون الخبير الأمريكي الكبير في شؤون السياسة النقدية والتجارة العالمية، وكان يدعو للانتقال من نهج هيمنة الدولار إلى نظام معادلة الدولار واليوان، وقد نشر عدة دراسات حول هذا الموضوع، ولكن أفكاره لاقت رفضاً قوياً بين السياسيين الكبار في الولايات المتحدة نفسها» وذلك في إشارة ضمنية إلى احتمالات اغتيال الرجل.

الإتجار بالبشر

بالتوازي مع الأرباح الضخمة التي تحققها تجارة السلاح، تنشط تجارة البشر الذين حاولوا البحث عن مخارج من أوضاع بلدانهم عبر الهرب إلى أوروبا، حيث أعلنت وكالة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن شبكات تهريب المهاجرين نحو أوروبا وأميركا الشمالية تجني سبعة مليارات دولار سنوياً. ويعتبر تهريب البشر جريمة منظمة عابرة للبلدان، تتسبب في مآسي رهيبة يومياً، يذهب ضحيتها نساء وأطفال ورجال عزل، لكنها تدر أرباحاً هائلة على تجار يستغلونهم عند وصولهم في أعمال شاقة خلال ساعات طويلة وبرواتب ضعيفة، هذا إذا وضعنا جانباً الحديث عن الاتجار بالأعضاء. تفيد الإحصاءات بأن حوالي أربعين ألف مهاجراً غير شرعي قضوا منذ مطلع الألفية، منهم أكثر من ثلاثة آلاف في المتوسط خلال السنة الجارية! وذلك وفق تقريرٍ صدر مؤخراً عن منظمة الهجرة الدولية.

حرب النفط


في إطار حرب أسعار النفط التي تشنها الولايات المتحدة ضد روسيا، والتي تقوم على زيادة عرض النفط عبر إجبار السعودية وغيرها على رفع مستوى ضخهم له، ما يؤدي إلى انخفاض سعره وبالتالي خسارة الدول المصدرة للنفط والمعتمدة على تصدير النفط في اقتصاداتها، ومن بين هذه الدول روسيا.. في إطار هذه الحرب يتوقع أن تنخفض عائدات الدول الأعضاء بمنظمة «أوبك» بنسبة 15% سنة 2014، بسبب الانخفاض المتواصل لأسعار النفط منذ بداية شهر آب، كما انخفض سعر تكساس إلى 89 دولاراً للبرميل وخام «برنت» إلى 90 دولاراً للبرميل، وسوف تنخفض هذه العائدات بمقدار 116 مليار دولار لتبلغ حوالي 658 مليار. وكانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت في وقت سابق أن تصل العائدات الى 774 مليار دولار في نهاية عام 2014، ثم خفضت منظمة «اوبك» توقعاتها إلى 723 مليار دولار للسنة القادمة 2015 وهي توقعات متفائلة جداً أطلقت في شهر تموز عندما كانت أسعار سلة الأوبك عند مستوى 105,37 دولارات للبرميل، لكن إغراق الأسواق الحالي بالنفط أفضى إلى انخفاض سعر البرميل بحوالي 15 دولاراً منذ شهر آب.

المصادر: قاسيون – أ.ف.ب – بلومبرغ- لوس أنجلس تايمز- تقارير البنك العالمي- الرياض السعودية