صرخة احتجاج في وحدة النخبة ٨٢٠٠! (2/2)
محمد العبدالله محمد العبدالله

صرخة احتجاج في وحدة النخبة ٨٢٠٠! (2/2)

في العدد الماضي من «قاسيون»، استعرض الجزء الأول من هذه المقالة الآليات التي استخدمتها وحدة النخبة ٨٢٠٠، والتي تعتبر من أهم الوحدات في مجال التجسس الإلكتروني داخل كيان العدو الصهيوني، للوصول إلى أهداف مراقبة وتجسس غير أخلاقية على سكان فلسطين المحتلة، وما رافق ذلك من موجة احتجاج داخل تلك الوحدة. وفي هذا الجزء، تستكمل المقالة تسليط الضوء على تأثيرات هذه الوحدة وتبعات عملها.

صباح اليوم التالي 12/9، نشرت صحيفة «هآرتس» مضمون الرسالة، لتنطلق على إثرها حملة رفض وإدانة لتلك المواقف التي أعلنها الموقعون على الرسالة. معظم الأحزاب والقوى السياسية وقادة الجيش ساهمت بحملة التنديد، بل إن بعض السياسيين والعسكريين والكتاب طالبوا بطرد الموقعين من الجيش ومحاكمتهم فوراً وسجنهم. نتنياهو ووزير الحرب ورئيس الأركان نددوا بشدة بالرسالة. أما وزير النقل، يسرائيل كاتس، فقد اقترح «إرسال الرافضين للخدمة كحراس للمعسكرات في النقب». رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن بالكنيست، زئيف الكين، يصف نتائج دعوة الرافضين للخدمة بأنها «غرس سكين في ظهر الجيش». أما القائد السابق للوحدة، الجنرال (احتياط) حنان غيفن، فيقول: «إن الرد عليهم يجب أن يكون في التحقيق معهم من قبل الشاباك أو الشرطة العسكرية».
الكاتب، حاييم شاين، قرأ الرسالة بعين وعقل «المؤامرة»، فكتب تحت عنوان «في نهاية المطاف كل شيء سياسة» مقالاً «نارياً» هاجم من خلاله رافضي الخدمة في وحدة الاستخبارات. يرى شاين «إن اليسار الراديكالي في "إسرائيل" نجح بزرع مجموعة ليست صغيرة من "العملاء" الصامتين في منظومة المخابرات السرية في الجيش الاسرائيلي. وهؤلاء، الذين لم يعرفوا أصلا بأنهم عملاء، تم تفعيلهم بذكاء، وليس صدفة، إن ذلك يتم في نهاية عملية الجرف الصامد في سبيل تشويه سمعة "إسرائيل" ومساعدة لجان التحقيق باكتشاف نشاطات غير قانونية ظاهرياً، تم تنفيذها خلال العملية من قبل الاستخبارات "الإسرائيلية". كما نجح الذين نظموا هذه الرسالة والمحرضين بإثارة الفتن والاضطرابات داخل الوحدة 8200، وإثارة لشك جنود الوحدة بأهمية وحيوية خدمتهم».
تشققات في جدار الكيان/ الثكنة
ليست هي المرة الأولى التي تبرز داخل المؤسسة العسكرية/الأمنية تلك الاحتجاجات. فقد برز اسم الجنرال، إيلي جيباع، قائد لواء المدرعات أثناء حرب لبنان الأولى الذي رفض تنفيذ خطة اقتحام بيروت، لأنها «ستزيد من توريط الجيش»، مما أدى لفصله من الخدمة العسكرية. بالإضافة لعدد من الجنود الذين رفضوا أداء الخدمة العسكرية في الضفة الغربية، لأنها «منطقة محتلة». وكذلك، مجموعة من الطيارين، رفضوا تنفيذ أوامر القصف لـ «مناطق وأهداف مدنية».
إن قراءة هادئة لتلك الظواهر ستكشف لنا عن أزمة أخلاقية ظهرت لدى العسكريين والأمنيين والمفكرين، مما انعكس في بعض الكتابات، كما ظهر في افتتاحية صحيفة «هآرتس» تحت عنوان «لنصغ للرافضين»: «صحيح أن الرفض المنظَّم قد يقوض صورة الجيش ويجبي ثمناً ثقيلاً. فرفض شخص واحد للخدمة لأسباب تتعلق بالضمير لا يشبه التنظيم الجماعي، العلني والسياسي، الذي يهدف إلى جر المزيد من الرافضين. إلا أن الرد على هذا الرفض لا ينبغي أن يكون في المعاقبة الجارفة والكاسحة. ولا مكان لردود الفعل الكاسحة والعدوانية في مجتمع ديمقراطي. من حق خريجي الوحدات العسكرية الاحتجاج على ما يعتبرونه نشاطات عسكرية غير أخلاقية أو غير قانونية. وبدلاً من ذلك، من المفضل أن يصغي قادة الأجهزة الأمنية وقادة الدولة بعناية إلى كلمات الاحتجاج الخارجة من قلب وحدة نخبوية، كالوحدة 8200. ليس رفضهم هو الذي كان يجب أن يثير عاصفة، وإنما الأمور التي أشاروا اليها. إن استخدام الطرق المرفوضة لتجنيد المتعاونين، وجمع معلومات بوسائل لا تخضع للرقابة العامة، هي ظاهرة تستحق الفحص والنقاش العام».
استنتاج
من هنا، فإن توظيف ما ذكره أولئك المحتجون/ الرافضون للخدمة مجدداً في وحدة 8200 كأدلة على السلوك اللاأخلاقي الذي تمارسه أجهزة الاستخبارات، سواءً بالتجسس أو التنصت على خصوصيات المواطنين، أو تصويرهم من أجل ابتزازهم في نشاطاتٍ تسحق إنسانيتهم، وتدمر منظومة القيم الاجتماعية التي عاشوا في ظلالها، وتؤدي لتخريب النسيج المجتمعي الموحد داخل الوطن المحتل، من خلال تحويل المواطن أو المواطنة، لأدوات عميلة، رخيصة، تقوم بأعمال تتناقض مع الثقافة والوعي، والأهم، مع رفض التعامل مع الغزاة تحت أي ظرف.
إن حملة إعلامية وقانونية يجب أن تركز على الوسائل اللاأخلاقية التي يلجأ لها المحتل ــ فالاحتلال دائماً هو نقيض الأخلاق والإنسانية- في إدارة المناطق الخاضعة له، وعلى خطط عمله في مواجهة الشعب الرافض والمقاوم لهذا الاحتلال. إن تلك الشهادات بالإضافة إلى ما قامت به الحركة الصهيونية وكيانها السياسي/العسكري في فلسطين المحتلة، يُسقط كل الادعاءات التي حاول ذلك الكيان الغاصب تسويقها من خلال أجهزة إعلامه، ومن خلال جوقة المرتزقة العملاء في بعض الأقطار العربية، على أنها «واحة الديمقراطية!».