إفريقيا تقاوم الغرب من جديد! (1/2)

إفريقيا تقاوم الغرب من جديد! (1/2)

شكلت مقاومة المثلث التاريخي، «مصر والجزائر وجنوب إفريقيا»، للغرب وللاستعمار منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، نموذجاً خاصاً، خاضت وتعلمت واقتدت به كل القارة السمراء، فصنعت على صورته نماذج استقلالها الوطني. 

 تم التوافق في مؤتمر برلين 1884-1885 بين الدول الأوروبية الأساسية على وضع أيديها على افريقيا واستعمارها بهدف نهب مواردها الرئيسية. وتمثلت تلك الموارد بالقوى العاملة متمثلة بتجارة الرق، وبالثروات الطبيعية، وبالموانئ بهدف حماية التجارة الدولية. أعلن بعد ذلك كل من البريطانيين والفرنسيين والألمان والايطاليين والاسبان والبلجيكيين والبرتغاليين رسمياً عن تنفيذ استراتيجيات طويلة لاحتلال طويل الأجل لإفريقيا. ولكن قبل ذلك كلّه بعقود كانت افريقيا قد جربت في كل من أنغولا وجنوب افريقيا نمطين من الاستعمار الغربي والمقاومة الافريقية له.. الأول «التقليدي»، عبر فرض الانتداب والوصاية والاحتلال العسكري، والثاني هو الاستعمار من خلال المستوطنين. وفي الوقت الذي كانت فيه أغلب دول افريقيا ترزح تحت النوع الأول من الاحتلال، كانت بلدان مثل جنوب افريقيا وزيمابوي وغينابيساو وموزانبيق تقع تحت نير الاستعمار بالمستوطنين.

كانت الجزائر أول الدول المستعمرة وتشكلت فيها أول مقاومة ضد الاحتلال الغربي مع نزوله أرض الجزائر، وكان أقوى حركاتها حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر عام 1832، واستمرت خمسة عشر عاماً، استخدم فيها الماريشال الفرنسي «بيجو» وقواته التي وصل عددها (120) ألف جندي، حرب إبادة ضد الجزائريين، والحيوانات، والمزارع، فوقع الذعر في قلوب الناس، واضطر الأمير عبد القادر إلى الاستسلام عام 1847.

لم تهدأ مقاومة الجزائريين بعد عبد القادر، فما كانت تنطفئ ثورة حتى تشتعل أخرى، غير أنها كانت ثورات قبلية أو في جهة معينة، ولم تكن ثورات شاملة؛ لذا كانت فرنسا تتمكن من القضاء عليها. ضعفت المقاومة الجزائرية بعد ثورة أحمد بومرزاق سنة 1872.

مصر تقاوم الاحتلال البريطاني

 كانت حركة محمد علي باشا في  مصر شكلاً من أشكال مقاومة الاستعمار، وأول تجربة استقلال واعتماد على الذات بافريقيا، وتجربته في بناء دولة حديثة كانت تعد أعلى أشكال المقاومة، ولكن منع نشر التكنولوجيا والظرف الدولي في حينه، أفشل هذه التجربة من خلال نظام الاستدانة الذي دمر هذه التجربة، فقد بلغت ديون مصر عند وفاة سعيد باشا ما ينوف على 11 مليون جنيه. وعندما تولى إسماعيل الحكم، واصل سياسة الاقتراض للصرف على مشاريعه الكبرى، الأمر الذي أقلق أصحاب الديون من البنوك الأوربية والمرابين على ديونهم، ولجأوا إلى حكوماتهم للقيام بالاجراءات اللازمة لاسترداد الدين، ومع العام 1878 بلغ دين مصر 126 مليون جنيه، واضطر اسماعيل تحت ضغط الدول الدائنة وبالتنسيق مع حكوماتهم إلى استقدام بعثة كييف 1875 من بريطانيا للمعاونة في حل الأزمة المالية. فدفع ذلك فرنسا إلى إرسال خبير باسمها هو «فييه» للمعاونة أيضاً حتى لا تنفرد انجلترا بالأمر. واسترضاء للدائنين طلب اسماعيل منهم وضع النظام الذي يرتضونه، فقدم الجانب الفرنسي مشروع إنشاء صندوق الدين وتوحيد الديون، فصدر مرسوم بإنشاء الصندوق في 2 حزيران 1876 وتحددت مهمته في أن يكون خزانة فرعية للخزانة العامة تتولى استلام المبالغ المخصصة للديون من المصالح الحكومية مباشرة، وهنا أصبحت مصر تحت الوصاية الانكليزية الفرنسية، ومع تلك المرحلة بدأت ثورة عرابي. في 9 أيلول 1881 اندلعت الثورة العرابية. وهذه المرة لم تكن في نطاق عسكري فقط، بل شملت أيضاً المدنيين من جميع فئات الشعب بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، شاجبةً التدخل الأجنبي في شؤون مصر، ومتوجهة للخدوي توفيق بمطالبها فقال الخديوي عبارته الشهيرة: «كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا». إلا أن عرابي قال: «لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقاراً فوالله الذي لا إله الا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم». تدخلت بعدها بريطانيا وقصفت الاسكندرية، وقامت باحتلال مصر بعد معارك الاسكندرية وغيرها وأنهت ثورة عرابي.

مقاومات نهاية القرن التاسع عشر

لكن ثورة عرابي ومنذ بدايتها ساهمت في تكوين وعي المقاومة ضد الاستعمار، وخلال الفترة التاريخية نفسها وبعدها بقليل نشأت حركات مقاومة أخرى في كل افريقيا، ومنها التصدي لمحاولة قام بها الفرنسيون لاحتلال غرب افريقيا، حيث سعى الفرنسيون للتفاوض مع ملوك افريقيا، فوافق بعضهم الا الملك samori الذي حكم منطقة واسعة من افريقيا - هي اليوم ساحل العاج وغينيا ومالي- فقد قاوم بشدة الاستعمار الفرنسي إلى أن تمت هزيمته عام 1900 ونفي إلى افريقيا الوسطى. 

كانت اثيوبيا هي الدولة الوحيدة التي لم تقع تحت الاستعمار، حيث انتصرت عام 1895 تحت قيادة الامبيراطور منليك في معركة ادووا على ايطاليا، وقتل وقتها 4500 جندي ايطالي. وأما غانا، مملكة الذهب، فقد خاضت صراعاً طويلاً ضد المستعمر البريطاني.