الفقاعة فاضت دماً والطبقة الحاكمة في عراك تحاصص النهب
قررت أمريكا زيادة وتوسيع وجودها في العراق مستخدمة قرار مجلس الأمن الدولي غطاءً لإقامة تحالف عالمي جديد لمحاربة فيلمها الجديد «داعش» بعد اختفاء فيلم «القاعدة» الذي دام عرضه لعقد من الزمان. يشاركها في الفيلم الدموي هذا كومبارس الاتباع المتاجرون بالطائفية والعنصرية، الذين يخوضون صراعاً على وقع القصف الأمريكي من أجل إعادة تقسيم ثروات العراق فيما بينهم وفق لمستوى رضا «بايدن» عن كل منهم.
إذاً، تحولت الفقاعة إلى فيضان من الدم أغرق غرب وشمال غرب العراق وشرق وجنوب بغداد، وكان قاب قوسين أو أدنى من أربيل عاصمة الإقليم، راح ضحيته مئات الآلاف من المواطنيين العراقيين وخصوصاً المسيحيين والايزيدية بين ذبيح ومهجر، أما المواطنات النساء فكان مصيرهن القتل والاغتصاب والسبي، ناهيكم عن المصير المأساوي للأطفال وكبار السن. ولا يزال الغموض يكتنف حقيقة ما حدث في 10 حزيران عن هروب فرق الجيش العراقي من الموصل وفي 3 آب عن هروب البيشمركة من سنجار أمام «الفقاعة» التي تبين حجم حاضنتها البعثية عند تحولها إلى فيضان دموي.
تعاني المعارضة الوطنية العراقية من فقدان البوصلة، فقد وقعت غالبيتها أسيرة معركة «الولاية الثالثة» الوهمية التي سوف لن تغير نتيجتها من الطبيعة الطبقية للسلطة الحاكمة باعتبارها سلطة طبقة استغلالية طفيلية تابعة للغازي الامريكي مقيدة بـ«اتفاق المصالح الاستراتيجي»، سلطة معادية للشعب العراقي وتطلعاتها المشروعة في الحرية والتقدم، سلطة تمثل الطبقة الطفيلية الفاسدة المتاجرة بالدين والطائفة والقومية. وإن وجدت عناصر وطنية بين هذا الخليط المشوه من الأحزاب الدينية والطائفية والقومية العنصرية والشوفينية، فإنها لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام في إعلان هويتها الوطنية ببرنامج بديل للبرنامج الامبريالي الصهيوني الرجعي المنفذ في بلاد الرافدين.
نعم، تتميز القوى اليسارية العراقية بموقف وطني تحرري مناهض للنظام الحاكم في بغداد وللسلطة الحاكمة في اربيل والسليمانية، لكنه لم يرتق إلى مستوى الصراع الطبقي والوطني في البلاد والذي انعكس على دور الطبقة العاملة العراقية وخصوصاً عمال النفط الذين جرى تمزيق وحدتهم على يد القوى الطائفية والعنصرية.
حذر اليساريون العراقيون الأكراد من خطر داعش في اقليم كردستان العراق «...احذروا الخلايا الإرهابية النائمة لجرذان داعش في اقليم كردستان فهي تعمل بصمت، راقبوهم.. وثّقوا تحركاتهم.. إكتبوا عنهم.. إكشفوهم.. ولا تنسوا أحداث 9 آب التخريبية ودور تلك الخلايا في إثارة البلبلة والفوضى في اقليم كردستان». كما حذر قبلهم الوطنيون العراقيون في غرب وشمال غرب العراق دون جدوى مما وفر فرصة للقوى الفاشية الحاضنة هيئة علماء المسلمين– النقشبندية– لتسهيل غزو داعش لهذه المناطق، ويحذر اليوم اليساريون في الوسط والجنوب من خطر تنامي دور المليشيات (من لون طائفي محدد) المتسترة بغطاء الحشد الشعبي على مستقبل العراق.
قد يكون من المفيد التذكير بالوصف الرسمي السوري «العصابات» والإصرار على أن المعركة عسكرية بحتة وقصيرة وترداد مفردة «خلصت»، وإذا بها «جيوش» تحتل وتدمر مدن كبرى بكاملها والـ«خلصت» تمتد إلى ثلاث سنوات والحبل على الجرار. «فالفقاعة» العراقية صارت فيضاناً يجتاح المدن ويدمرها، مما دفع بالطبقة السياسية الحاكمة إلى الاستنجاد بالسيد الأمريكي المستعد والمتأهب لالتقاط هذه اللحظة ليفرض نفسه «منقذاً» على طريقة سايكس– بيكو من «العصابات» في سورية و«الفقاعة» في العراق، ويرسم حدود الإقطاعيات- الدويلات الجديدة على أنقاض دول سايكس بيكو المنهارة.
إن تحرر الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية العراقية من وهم العقد الماضي «التحرير» و«التغيير» بالصيغة الأمريكية الذي لم يأت بعراق يابان وألمانيا الشرق الأوسط، ومن الوهم الجديد «المنقذ الأمريكي» والعراق «الليبرالي والفيدرالي» الآتي بالتقسيم والنهب، سيساعدها على التحالف مع اليسار العراقي في إطار جبهة وطنية تحررية قادرة على قيادة الانتفاضة الشعبية الآتية حتماً.
*منسق التيار اليساري الوطني العراقي