يكن 5 حزيران 25 أيار.. سوري..!
باستثناء أصوات المتمترسين في الخارج استقواءً بالخارج على سورية الوطن والشعب، وعلى الرغم من استمرار الانشغال الداخلي بالاضطرابات المتواصلة والمتنقلة في بعض المدن والقرى السورية وما يرافقها من استمرار دوامة الدم السوري المراق في صفوف المدنيين والعسكريين وما يطفو على سطحها من أخبار كمائن وقصف وإغلاق مناطق وصور «نزوح»، تزيدها نبرات تهديد متصاعدة بموجات جديدة موسعة من العقوبات في الأوساط الأمريكية والأوربية بحق كبار الشخصيات في النظام،
وتغطي على إجراءات إصلاحية يرتئيها النظام في سورية احتواءً للموقف، وما ينتج عن ذلك كله من إبقاء الجمر تحت الرماد في الاصطفافات الخاطئة وحالات التوجس المستجدة في الشارع السوري المتمسك في المقابل حتى العظم في غالبية المحافظات والمدن بحبه للحياة وطقوس مجرياتها الطبيعية... وسط هذه المتناقضات المتشابكة كلها، بالكاد لا يختلف اثنان أن أخبار الأحد، الخامس عشر من أيار، ذكرى النكبة، حول الحصار والاختراق الشبابي الشعبي العربي للأراضي المحتلة واشتباكها بالحجارة والصدور العارية مع جنود الاحتلال الإسرائيلي في الجولان ومارون الراس والضفة والقطاع، إلى جانب مثيلاتها التي لم تنجح تماماً في غور الأردن وسيناء، جاءت لتشكل انفراجاً حقيقياً في المشهد العربي، السوري ضمناً، يعيد تصويب بوصلة الصراع في المنطقة وبلدانها، كما كنا نقول دائماً، باتجاه العدو الأساسي، وليعود الفرز والاصطفاف في سورية وطنياً، على اعتبار أنها المرة الأولى التي تتحرك فيها جبهة الجولان من الطرف المحرر، ولو شعبياً..!
السؤال الملح الذي برز مباشرة بعد هذا التطور الاستثنائي، وعلى لسان غالبية المحللين والمراقبين الغيورين على القضية الوطنية الشعبية في سورية، هو هل سيبقى هذا التطور على استثنائيته، بالمعنى المناسباتي/ الكرنفالي؟ والسؤال الأهم، الذي نضيفه، أم أن هذا الإنجاز سيتحول إلى برنامج عمل وطني حقيقي وفعلي يشكل الرافعة الأساسية للتغيير الوطني، الاقتصادي الاجتماعي، الديمقراطي المنشود في سورية؟
إن حسم الإجابة على هذا السؤال، ضمن هذا التكامل، بالإيجاب، سيضع على رأس جدول الأعمال الوطني، وأي حوار مطروح، في سورية، قضية مؤجلة وأساسية هي تحرير الجولان، حتى وإن جادل البعض: «إن ذلك في حال حدوثه هو قفزة من الأمام من جانب النظام السوري لتصدير الأزمة والالتفاف على المنتفضين في وجهه داخلياً..!».
بغض النظر عن هؤلاء، ماذا يعني اندلاع حرب وطنية، مع الكيان الإسرائيلي بالنسبة للشعب السوري والقضايا التي شكلت منطلق حراكه؟
إن ذلك يعني بالملموس أن تحسم إلى غير رجعة على المدى البعيد مسألة الاقتتال الأهلي التي لا تزال تذكيها أبواق الخارج والممارسات القاصرة في الداخل وتضع حداً لكل السيناريوهات المسربة عن إيجاد وتكريس بؤر توتر في شمال شرق ووسط وجنوب البلاد، لأن عملية الفرز والاصطفاف ستكون وطنية، وستتحدد فيها بشكل أوضح تداخل شبكات المصالح والتهديد.
وهذه العملية ستكون شاملة لا تقتصر على الموقف السياسي للأفراد والجماعات والتيارات والقوى، شعبياً وسياسياً، بل ستمتد طبيعياً لفرز هذه المكونات اقتصادياً- اجتماعياً، بما في ذلك نشاطها في وقت الحرب الوطنية، وتحديداً تعري مواقع ومواقف قوى النهب والفساد عند المنعطفات الكبرى.
وهذا العري سيلحق بدوره كل من يلعب الألعاب القذرة، أياً كان موقعه، بحق الوطن والشعب. وبكلام آخر، عندما تكون المعركة وطنية يصبح مبرراً تماماً قمع وتصفية كل من يضرب بالشعب والجيش وبمقومات الأمن الوطني، وتتمظهر أكثر على سبيل المثال ضرورة ضرب كل المتلاعبين بالأمن الاقتصادي والغذائي وخلافه.
والأهم أنه في المعارك الوطنية تصبح الاستحقاقات الوطنية أكثر إلحاحاً لأن غالبية الشعب والنظام ستضطر لخوض المعركة معاً بعيداً عن ماكينات التحريض والتشويش وسيجد أصحاب برامج الإصلاح في النظام أنفسهم مضطرين لترتيب وحسم أوضاعهم وأوضاع أجهزة الدولة على إحداثيات الصراع الخارجي مع المحتل الصهيوني في صراع الوجود لا الحدود.
إن حرباً تحريرية من هذه الشاكلة ستكون تحررية شاملة بآن معاً، من شأنها إطلاق الطاقات الشبابية لدى الشعب السوري والشعوب العربية كلها، وأن تفضح أكثر فأكثر كل الأدوار السياسية والإعلامية الوقحة في المحيط الإقليمي، بما فيها أدوار تركيا وقطر والأردن والسعودية والتيار الحريري لبنانياً المتنصلة حتى من أدنى بروتوكولات الاتفاقيات العديدة الموقعة مع الجانب السوري وكأنها كانت تنوي الارتباط بسورية للي ذراعها.
كما أن هذه الحرب بالمعنى الاستباقي جيوسياسياً سيكون من شأنها تسريع الفرز واستقرار الخيارات والمواقف حتى في مصر ما بعد الثورة، بحيث يسهم ذلك في حسم المعركة أكثر في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
إن حالة اللاحسم بالمعنى الوطني الشامل تبقي الأوضاع استراتيجياً في سورية غير مريحة، وإن الخيارات بهذا المعنى تتناقص ولاسيما زمنياً في ظل استفحال الهجوم الغربي الشرس والمسنود إقليمياً. وفي المقابل إذا أراد المخلصون من أبناء سورية تاريخاً رمزياً لقلب الآية وإيجاد مخرج للوطن، فلدينا ذكرى نكسة حزيران تدق الأبواب، فإذا كانت ذكرى النكبة 2011 بروفة لفعل وطني منهجي وليس عابراً، فليكن الخامس من حزيران تمهيداً منظماً لفعل تحريري تحرري على المستوى السوري تعادل نتائجه، مبدئياً، الخامس والعشرين من أيار، لبنانياً.