مسيرات العودة معادلة جديدة.. الأردن نموذجاً
تمثل الحالة الأردنية نموذجاً مكثفاً بشدة لقضية شائكة تعايشها المنطقة منذ النكبة وسلخ فلسطين عن محيطها، وطرد سكانها وأصحابها الحقيقيين من أرضهم ليتفرقوا في شتات اللجوء، ويتفق على تسميتهم باللاجئين الفلسطينيين.
وللتعمق في الحالة الأردنية فلا بد من ذكر حقيقة أن الشعب الأردني يتشكل أساساً من كتلتين أساسيتين، الأولى تشكل المواطنين الأردنيين من أصول شرق أردنية «الأردن الإدارية اليوم»، والكتلة الثانية تشكل المواطنين من أصول فلسطينية ممن قدموا إلى الأردن بعد النكبة والنكسة، وهم في القانون الأردني مواطنون أردنيون، يتمتعون بكافة الحقوق المدنية والسياسية، وليس من المخفي أن انقساماً أفقياً يتنازع الشعب الأردني بثنائية وهمية هي «فلسطيني– أردني» عملت النخب الاقتصادية والسياسية الحاكمة على تغذيتها دائماً بما يكفي لإجهاض أي حراك داخلي أردني على مدى التاريخ، وقد ظهرت هذه الثنائية للعلن للمرة الأولى بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970، حيث قامت السلطات الأردنية بتصفية كتائب المقاومة الفلسطينية في الأردن، بحجة الخطر من مشروع الوطن البديل، الذي روجت له السلطات معتمدة على مجموعة من أخطاء فصائل المقاومة الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة، فإن هذه الثنائية تظهر للعلن بقوة أو تخفت حسب الظروف السياسية في البلد، وبرغبة من النخبة الحاكمة.
وجاءت هذه الثنائية حلاً ناجحاً في أيدي الأجهزة الأمنية لإجهاض الحراك الشعبي الأردني الذي بدأ بيوم غضب دعت له شخصيات وقوى سياسية أردنية، ومن ثم وعلى مرور أيام الجمعة مضى الحراك متعاظماً، حتى مساء الرابع والعشرين من آذار حيث دعت تلك القوى لاعتصام مفتوح في أحد أهم ميادين العاصمة حتى تحقيق مطالبهم، وهنا كانت اللحظة المناسبة للأجهزة الأمنية كي تتدخل وتفرق الاعتصام بالقوة وبالبلطجة، ولتبرير الاستخدام المطلق للعنف وسقوط شهداء، راحت الأجهزة الأمنية تروج لإشاعة مفادها أن المعتصمين هم من الكتلة الفلسطينية وأن الاعتصام ما هو إلا خطوة أولى لتحقيق مشروع الوطن البديل عن فلسطين في الأردن.
ولكن ماذا عن المشروع الفلسطيني؟
جاء يوم النكبة هذا العام، على وقع دعوات أطلقها نشطاء فلسطينيون تدعو لمسيرات عودة فلسطينية في تلك الذكرى الأليمة، وهنا جاءت فرصة اللاجئ الفلسطيني في الأردن ليعبر عن مشروعه بكل وضوح، قالها في ذكرى النكبة، إن مشروعه هو العودة لفلسطين وليس يحلم بأي مشروع بديل، قال إنه جزء من هذا الشعب الفلسطيني الذي يمتد على الداخل والخارج وعلى مخيمات الشتات أينما وجدت، فوجئ الفلسطيني في الأردن وهو على طريق عودته نحو أرضه، بنفس الجهاز الأمني الذي أجهض حلم الشباب الوطني الأردني بالتغيير في 24 آذار، يقف سداً منيعاً في وجه عودته لأرضه، وبدء تحقيقه لمشروعه.
وللحقيقة فليس من السهولة أن يحدد المرء ما الذي تبتغيه الأجهزة الأمنية من اللاجئ فهو يضرب، ويضرب به مشروع الإصلاح.
لكنه وفي مسيرات العودة فقد أكد الشعب الفلسطيني وإن لم يقلها، أن هدفه واضح ومشروعه أوضح، العودة إلى فلسطين كل فلسطين، وعلى هذا فإن أي حديث عن مشاريع أخرى له، لا يعدو كونه مطية تركبها النخب الحاكمة لتحقيق مشاريعها الخاصة داخلياً، وأولها إجهاض أي مشروع للإصلاح أو التغيير الحقيقي في دولها، لذا فما قاله الفلسطيني في الأردن وغيرها في 15 أيار: رجاءً لا يستعملن أحد وجودي حجة لإجهاض التطور الطبيعي للشعوب ورغبتها في نيل حريتها، فكل ما أبتغيه هو نيل حريتي أنا الآخر والعودة لأرضي.