الأول من أيار: عمال النفط العراقي في طليعة النضال
تلعب الشخصيات النقابية اليسارية العاملة في نفط الجنوب، وخصوصاً البصرة، دوراً قيادياً طبقياً بارزاً من أجل استحصال حقوق عمال النفط، والحفاظ على الثروة الوطنية، وإنجاز قانون عمل تقدمي.
يخوض العمال كافة أشكال الكفاح السلمي المشروع، كالتظاهر والإضراب والاعتصام، في بلد يشكل النفط فيه 93% من واردات ميزانيته, ولم يعد هناك مصادر أخرى ذات وزن. فدمار الزراعة، وقطع أكثر من 20 مليون نخلة، وشح وتلوث المياه، وتحطيم البنية التحتية والصناعة الوطنية, حولت العراق إلى مكب للبضائع الأجنبية.
يواجه كفاح عمال النفط بتعنت الطبقة الفاسدة الحاكمة، وممارسة الأساليب ذاتها التي درجت على استخدامها الحكومات الرجعية المتعاقبة على الحكم, فإضافة إلى إجراءات التهديد بالفصل والقمع، تعزف السلطة الراهنة الأسطوانة ذاتها الناكرة لوجود الطبقة العاملة العراقية. وها هي تتمسك بقانون قديم، يجرِّد العامل العراقي من صفته ووظيفته العمالية، ويمنحه، قسراً، صفة موظف.
وسبق هؤلاء بكر صدقي، صاحب أول انقلاب عسكري في تاريخ العراق والبلدان العربية عام 1936، حيث أنكر وجود الطبقة العاملة، في معرض رده على أول بيان لجمعية مكافحة الاستعمار الصادر في 11 آذار 1935، والذي جاء فيه: «يشترك الإنكليز والطبقة الحاكمة اليوم في حلف يهدف إلى الإبقاء على الاضطهاد والاستغلال اللذين تعانيهما (الطبقة العاملة).. ولقد أصبح النفط، والمواد الخام الأخرى في البلاد، حكراً على الإنكليز, وتحول العراق إلى منفذ لبضائعهم وفائض رأس المال».
تحدى بكر صدقي الحركة العمالية اليسارية بتساؤله: «أين هي مصانعنا، وأين هم العمال؟» فجاءه رد الطبقة العاملة العراقية سريعاً. أضرب عمال الميناء في البصرة، وتبعهم عمال شركة السجائر الوطنية في بغداد، وشركة النفط العراقية في كركوك. وانتشرت الإضرابات يومها إلى مختلف مواقع الحفريات ومحطات ضخ النفط، وإلى سدة الكوت وورشات السكك الحديدية في بغداد، ومصانع الحياكة في النجف، والقاعدة العسكرية في الحبانية. كما لاقى نوري السعيد مصيره المعروف، وهو العدو اللدود للعمال.
تواصت مسيرة الحركة العمالية العراقية صعوداً، فأعلنت إضراب عمال النفط في كاورباغي، أواسط الأربعينيات، والذي قوبل بالحديد والنار واستشهد فيه العمال الأبطال. هذا، وشكَّل العمال السياج الجماهيري الحامي لإعلان تأسيس اتحاد الطلبة العام في ساحة السباع 14 نيسان 1948, وخاض العمال المعارك الوطنية في وثبة كانون 1948 وانتفاضة تشرين 1952 وهبة 1956، التي توجها الشعب العراقي بإشعال ثورة 14 تموز 1958 المجيدة التي حررت العراق من الاستعمار البريطاني، وأسقطت الحكم الملكي العميل وحققت للشعب العراقي عامة، والطبقة العاملة خاصة، مكتسبات اقتصادية- اجتماعية كبرى، في مقدمتها قانون العمل والأحوال الشخصية، وقانون 80 الخاص بحماية الثروة النفطية، وقانون الإصلاح الزراعي وغيرها..
وكان لمسيرة الأول من أيار المليونية عام 1959، في بلدٍ تعداد نفوسه ثمانية ملايين، والتي رفعت شعار «عاش زعيمي عبد الكريمي ... حزب شيوعي في الحكم مطلب عظيمي» أكبر الأثر في تحقيق هذه المنجزات.
لقد أجبر إضراب عمال الزيوت، عام 1969، الحكم على تقديم تنازلات جديدة للعمال، عبر تعديله قانون العمل لمصلحة العمال، غير أن استلام صدام حسين الحكم عام 1979، وشنه الحرب على إيران، جعل من الطبقة العاملة العراقية عرضة لأشرس هجوم برجوازي رجعي، فأصدر قانونه سيئ الصيت، المرقم 150 في العام 1987، والقاضي بـ «تحويل العمال إلى موظفين»، وبالتالي إلغاء حقهم في التنظيم النقابي والتظاهر والإضراب. وقد عاني العمال كبقية الشعب العراقي على مدى ربع قرن 1980- 2003 الحروب والحصار البربري الطويل.
يواصل اليوم الحكام الجدد، وعلى مدى عقد من الزمن، التمسك بقانون الدكتاتورية، في تعبير عن الهوية الطبقية الاستغلالية المشتركة للنظامين السابق والراهن المعادية للطبقة العاملة العراقية, وتحويل العراق إلى مكب للبضاعة المستوردة، في إطار نظام اقتصادي ريعي لا يسمح بإعادة بناء الصناعة الوطنية، ويعتمد على تصدير النفط الخام بإشراف ونهب الشركات الإمبريالية الأمريكية. لتبقى المعركة مفتوحة، المعركة الطبقية والوطنية من أجل استكمال سيادة العراق، واستعادة سيطرة الشعب على ثروته النفطية، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تحقق العدالة الاجتماعية. ومما لا شك فيه أن كلمة الفصل في هذه المعركة تعود لعمال النفط، نواة الطبقة العاملة العراقية، ورأس حربتها اليسار العراقي.
صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري الوطني العراقي