الرفيق علاء الدين عرفات: الاشتراكية، هل هي حلم بعيد؟؟

الرفاق الأعزاء:

إن نقطة الانطلاق الصحيحة تسمح بالوصول إلى استنتاجات صحيحة، فما هي تلك النقطة؟. نقطة الانطلاق، هي الأزمة الرأسمالية الحالية، الواسعة والعميقة وغير المسبوقة، والتي تنتج تناقضات واسعة وعميقة وغير مسبوقة، وتحتاج لحلول من الطراز نفسه واسعة وعميقة وغير مسبوقة أيضاً. 

. ودون نقطة الانطلاق هذه، لا يمكن بناء أي تصور مفيد لرؤية المرحلة، أو لإيجاد المهمات والحلول. إن مستوى هذه الأزمة ومواصفاتها، وبالاستناد لتجربتي تونس ومصر، تمكننا من القول: إننا أمام سلسلة ثورات عالمية، بالنسبة للقوى السياسية اليسارية، أو بعض القوى السياسية التي لم تلتقط اللحظة الثورية، فأين تكمن مشكلتها؟. المشكلة في الأساس هي مشكلة معرفية، تتعلق بالتخلي عن أدوات التحليل، أو عدم تطبيقها، وبالتالي عدم رؤية التغيرات الحاصلة، التي أصبح عمرها سنوات، أي لم تستطع أن تدرك أزمة الرأسمالية وتأثيراتها على بلداننا، هذا دون الحديث عن عمليات التكيف والمساومة مع الأنظمة. والسؤال: هل يمكن لهذه القوى العودة؟، أقول إن ذلك يشبه العودة من الموت. الآن وبعد أن بدأت عملية تشكيل فضاء سياسي جديد، لن تستطيع القوى التي تخلفت أن تصبح جزءاً من هذا الفضاء، وإن بقيت، فلن تكون أكثر من عناوين، وصناديق بريد، وسيحل محلها يسار جديد.

ينبغي عدم التهيب من وضع مهمات تعد كبيرة بالمقاييس الحالية،بل كانت تبدو حلماً في ما مضى. لدينا في الواقع الملموس، كل الأسباب التي تسمح لنا بأن نكون حالمين. بمناسبة المهمات الكبيرة، هل ثورة تونس ومصر مهمتان غير كبيرتين؟، ألم يقل أغلب المتحدثين أنه قبل شهرين لم يكن أحد يحلم بإمكانية وجود ونجاح هذه الثورة؟، ما السر في ذلك؟، أليس السر أن حركة التاريخ تتسارع، أليس من الضروري لنا الانتباه إلى هذا التسارع ورؤية المهمات على ضوئه؟. الاشتراكية، هل هي حلم بعيد؟؟

السؤال الذي يحتاج إلى إجابة، هل هناك مرحلة انتقالية بين الرأسمالية والاشتراكية؟، حسب علمي، لا يوجد. وإذا كنا نعمل للإطاحة بالرأسمالية، فما الذي سنبنيه؟، الرأسمالية أيضاً!. قولوا ذلك لنناقش هذا الموضوع..

حول مسألة الأنترنت والفيسبوك، لدينا تجربة مع الإنترنت منذ عشر سنوات، موقعنا يدخله أسبوعياً حوالي ربع مليون شخص، ولم نجد من خلال هذه التجربة أن هنالك طريقة أفضل أو أهم من تداول الجريدة من يد إلى يد،  أو عبر الصلة الحية  بالجماهير، هذا أولاً.أما ثانياً، فينبغي النظر إلى هذه المسائل على أنها أدوات، مشكلة الحركة ليست ولم تكن يوماً بانعدام الأدوات، مشكلة الحركة تكمن في السؤال: هل لدى قواها الإرادة على اطلاق تلك الدعوة، أو الصيحة، أو العملية التي تدفع إلى الأمام؟، ليست هناك حركة ثورية، وليس هناك ثورة في التاريخ، لم تستطع أن تجد أدوات الإيصال والتوصيل، دائماً كانت المشكلة تنحصر في العزم والارادة.

في الحديث حول التنمية الشاملة، هل هي ممكنة في ظل الرأسمالية؟، أي إذا كنا نريد تغيير نظام سياسي واقتصادي رأسمالي تابع، فبماذا  سنغيره؟ هل بنظام اقتصادي رأسمالي غير تابع؟ هل هي عملية إرادية؟، أم أنها تخضع لقوانين موضوعية؟. في الرأسمالية، أنت "كرأسمالي" مجبر على التعامل مع الرأسماليين الآخرين، وبشروطهم، خاصة أنك في الأطراف ولست في المركز، إذاً استبدال الرأسمالية برأسمالية، غير ممكن، وإحداث تنمية شاملة في ظل الرأسمالية، أيضاً غير ممكن. ليس هناك حل، وهنا لا أقول أن على شعب تونس بناء الاشتراكية غداً، ولكن هناك أفق وحيد، لا توجد آفاق أخرى، إذا ذهبنا إلى الرأسمالية سنعود دمى تابعة، وأنظمة تابعة، من الممكن أن يأتي مؤقتاً نظام أقل تبعية، لكن لا توجد أية ضمانة لأن لا تتشدد هذه التبعية.

 نحن الآن نتحدث ونناقش المسائل ولدينا ثورتان. هذه الوقائع، ألا تضيف لأدواتنا ورؤانا وعزمنا وآفاقنا إضافات جديدة؟، هل ينبغي أن نفكر قبل وبعد الثورتين بالطريقة نفسها؟. الآن العالم يشتعل من حولنا، ألا ينبغي أخذ المستقبل بعين الاعتبار عند تحديد المهمات والمواقف؟ حين نتحدث عن آفاق الثورة في تونس أنها ستصل إلى كذا وكذا، فهذا بالنسبة لتونس وحدها، ولكن العالم بأكمله يشتعل، والشعوب العربية تحتج وتنتفض وتثور ويمكن أن تحقق انتصارات كبرى. وبكل الأحوال فإن ميزان القوى العالمي قد تغير وبلا رجعة، هذه الواقعة يجب أخذها بعين الاعتبار وبناء سياسات على أساسها، مشكلتنا أنه عند نشوء حدث جديد، نفرح به، لكن قلة من يبنون سياساتهم ومهماتهم آخذين بالاعتبار هذا الحدث الجديد. ينبغي بناء سياسات وجهها للمستقبل، للأمام، وليس للخلف.