85 مليون فقير في الاتحاد الأوربي أوربا، في دوامة السخط المتفجر
إغناسيو رامونيه إغناسيو رامونيه

85 مليون فقير في الاتحاد الأوربي أوربا، في دوامة السخط المتفجر

أعلن الاتحاد الأوربي 2010 عام «مكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي» تحت شعار «أوقفوا البؤس». لا عجب، فيبلغ عدد الفقراء في دول الاتحاد الأوربي نحو 85 مليون فقيراً- أي واحد من كل ستة أوربيين- ولا يتوقف زحف الفقر على القارة جراء تفشي آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.

 وهنا يتحتم وضع المسألة الاجتماعية في صلب النقاش. فقد اندلع الغضب الشعبي ضد خطط التقشف في اليونان والبرتغال واسبانيا وايرلندا، حيث تضاعفت الإضرابات والاحتجاجات العنيفة.

وأصبح المواطنون الأوربيون يرفضون أيضاً النظام السياسي الذي يحكم مصائرهم، ويعربون عن رفضهم بالامتناع عن التصويت أو التصويت لغير صالح أي طرف أو الانضمام لفصائل متطرفة كأحزاب اليمين المتطرف وجماعات كراهية الأجانب. وبهذا خلق الفقر واليأس الاجتماعي أزمة في النظام الديمقراطي نفسه.

 

فهل أوربا مستعدة لمواجهة السخط المتفجر في الربيع المقبل؟

في أسبانيا على سبيل المثال، يعيش 20 في المئة من السكان أي نحو 10 ملايين نسمة، تحت خط الفقر. وثمة حالات خطيرة كأوضاع أبناء المهاجرين من خارج الاتحاد الأوربي الذين يعيش أكثر من نصفهم في حالة فقر، ناهيك عن أولئك المحرومين من المأوى والذين يبلغ عددهم 30 ألفاً في أسبانيا، وحوالي نصف مليون في دول الاتحاد الأوربي مجتمعة، فيما يلقى المئات حتفهم من البرد في فصل الشتاء.

ولكن من هم أولئك الفقراء؟ هم المزارعون الذي تستغلهم كبرى الشركات الزراعية، والمتقاعدون المهمشون، والأمهات العازبات، والشباب العامل بوظائف منخفضة الأجر، والأزواج والأطفال الذين يعيشون على راتب واحد، وبالطبع عدد ضخم من الناس الذين فقدوا وظائفهم لتوهم في الأزمة.

لم يسبق للاتحاد الأوربي أن شاهد مثل هذا الارتفاع في عدد الفقراء الذي ازداد الآن بنحو 5 ملايين أكثر من العام الماضي. والجانب الأسوأ هو علامات العنف الناتج عن آثار البطالة والتي أصبحت تنتشر الآن، وبشكل مكثف، بين معظم الشبان الذين تقل أعمارهم عن خمس  وعشرين سنة.

ففي أسبانيا وحدها، بلغت نسبة البطالة بين الشباب 44.5 في المئة وهي نسبة كارثية تتجاوز ضعف المعدل الأوربي البالغ 20 في المئة.

وإذا كانت المسألة الاجتماعية قد أصبحت قضية ملحة في هذه الأيام، فإنما يرجع ذلك لاقترانها مع أزمة دولة الرفاهية الأوربية. فمنذ السبعينيات وفي ذروة العولمة الاقتصادية، انتقلت أوربا من الرأسمالية الصناعية إلى الرأسمالية المتوحشة في ديناميكية أساسية تمثلت في تمزيق العقد الاجتماعي وضرب مفاهيم التضامن والعدالة الاجتماعية بعرض الحائط.

وجاء أكبر مثال على هذا التحول في مجال تنظيم العمل. فقد تقلصت المكانة المهنية لأجور العاملين وأصبح البحث عن وظيفة في بيئة من البطالة الضخمة لا مجرد فترة عدم يقين عابرة وإنما حالة دائمة.

هذا هو ما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي روبرت كاستل بحالة «الهشاشة» التي تنتشر الآن في جميع أنحاء أوربا. ففي البرتغال على سبيل المثال، يحصل واحد من كل خمسة عمال على عقد عمل جزئي ومحدود. وعلى الرغم من العمل طيلة سنوات في المكتب  نفسه أو المصنع، يتلقي العاملون الآن من أرباب أجرهم الجزئي على صورة فاتورة نفقات أو تكاليف خدمات، من دون أي عقوبة بل وبإمكان فسخ التعاقد في اليوم التالي.

لقد أدى مثل هذا التدهور في رواتب العمال إلى تفاقم الظلم وعدم المساواة نتيجة لإقصاء عدد متزايد من المواطنين وخاصة الشبان، من حماية الدولة ونظم الرعاية الاجتماعية والعزل والتهميش.

كم عامل انتحر في مكان عمله جراء القذف به في منافسة شرسة من الجميع ضد الجميع والعيش في نوع من الغابة، في وقت تميل فيه كثير من النقابات إلى التعاون مع أرباب العمل؟

لقد أصبحت الكفاءة الاقتصادية هي المنظور الأساسي للشركات التي حادت عن التزاماتها بالتضامن مع الدولة. أما الدولة فقد حادت بدورها عن التزاماتها تجاه المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية.

وبهذا ابتعد النشاط الاقتصادي عن المجال الاجتماعي أكثر بأكثر وبشكل دائم.

وهذا هو ما حدث في أسبانيا على سبيل المثال، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 4.5 مليونا في عام 2009 مقارنة بإجمالي3.1 مليون في 2008، في حين صرفت الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية 32.3 مليار يورو لمساهميها، بزيادة بنسبة 19 في المئة مقارنة بعام 2008.

كذلك فقد تجاوزت أرباح البنوك الأوربية في العام الماضي 50 مليار يورو، فكيف يكون هذا ممكناً في قارة تعاني من أسوأ ركود منذ عام 1929؟ علما بأن البنوك المركزية قد قدمت منذ بداية الأزمة في 2008 قروضاً ضخمة للمصارف الخاصة وبأدنى أسعار للفائدة، لتقوم المصارف التي مُنحت هذه الأموال الرخيصة بإقراضها بأسعار فائدة عالية للأسر والشركات وحتى للحكومات.

بهذه الطريقة كسبت هذه المصارف مليارات ومليارات. والآن بلغت الديون السيادية مستويات مذهلة في العديد من البلدان، كاليونان وايرلندا والبرتغال واسبانيا، وهي التي اضطرت حكوماتها لفرض سياسات تقشفية صارمة على مواطنيها لتكون قادرة على تلبية احتياجات الجهات المالية التي تسببت في الأزمة في المقام الأول.

من السهل إذاً أن نفهم الغضب والصدمة بل والعار الذي يشعر به ملايين المواطنين الأوربيين.

الأغنياء يزدادون ثراء في حين يرتفع عدد العاطلين عن العمل ويتفشي العنف بصورة خطيرة، وتنكمش القدرة الشرائية، وتتدهور ظروف العمل، ويستشري العنف المادي والرمزي عبر مجتمعات تتهاوى لتكتسب فيها العلاقات الاجتماعية وحشية متعاظمة.

لقد حذر صندوق النقد الدولي في 17 آذار الماضي من أنه إذا لم يتم إصلاح النظام المالي «فستندلع انتفاضات اجتماعية». فإلي أي حد سيتنامى الاشمئزاز والغضب والسخط الإجتماعي؟

مدير لومند ديبلوماتيك – أسبانيا

نشرة «آي بي اس»