القسم لفلسطين وليس للكيان الغاصب!

في الوقت الذي كانت «القمة العربية الاستثنائية» في ليبيا تتخبط وترتبك في صياغة موقف يحفظ ما أمكن من ماء وجه قادة النظام الرسمي العربي إزاء قضية فلسطين، أقرت حكومة نتنياهو- ليبرمان مشروع قرار «المواطنة» الجديد والأكثر عنصريةً بين جميع القرارات التي اتخذتها حكومات الكيان الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 وحتى اليوم.

لقد شكل تكاثر الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم بعد النكبة هاجساً وقلقاً لدى جميع القادة العنصريين الصهاينة، وقد سبق لرئيسة وزراء العدو غولدا مائير أن عبرت عن ذلك القلق بصراحة عنصرية أين منها سياسة هتلر حين قالت بالحرف: «يكاد يجافيني النوم ويقض مضحعي عندما أفكر بعدد الأطفال الفلسطينيين الذين يولدون كل يوم»!.. فأمام إدارة الحياة والصمود، ورغم سياسة القتل والتشريد والتهويد والاعتقال والترهيب، ازداد عدد الفلسطينيين في 

الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من مئة وخمسين ألفاً قبل ستين عاماً إلى مليون وخمسمئة ألف فلسطيني في الجليل والمثلث والنقب في الوقت الراهن. وهؤلاء جميعاً مستهدفون بمشروع القرار العنصري الجديد والمعروض الآن أمام الكنيست الصهيوني للإقرار النهائي، حيث يطلب من كل فلسطيني لتجنب الطرد والتهجير من أرض وطنه أن «يقسم يمين الولاء لإسرائيل كدولة يهودية لكل يهود العالم»!

كما أن مشروع القرار الجديد لا يتهدد فقط عرب فلسطين 1948، بل يتهدد حق العودة للشعب الفلسطيني والذي هو حق شخصي لكل فلسطيني لا يلغيه تقادم السنين. ولعل الأخطر من كل ذلك مدى استهتار قادة الكيان الصهيوني بأولئك المهرولين من العرب وراء التفاوض واستجداء الحلول المنقوصة والتي لا يجمعها جامع لا مع الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، ولا مع إرادة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي أقسم يمين الولاء بدماء شهدائه وتضحيات أبنائه لتحرير الوطن وليس للاعتراف بالكيان الصهيوني جملةً وتفصيلاً.

لسنا خائفين من القرار العنصري- الصهيوني الجديد، وإذا كنا نذكّر بمخاطره، فالهدف من ذلك فضح النظام الرسمي العربي الذي اختزل القضية الفلسطينية بقضايا «تجميد الاستيطان»، وإعطاء الولايات المتحدة عدوة الشعوب «حق» التحول إلى المرجعية الأولى في حل القضية الفلسطينية عبر إلغاء جميع القرارات الدولية التي تطالب بإنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق الفلسطينية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

ففي الوقت الذي أثبت فيه خيار المقاومة قدرته على تحرير الأرض وردع العدوان (لبنان نموذجاً) ما زالت السلطة الفلسطينية في رام الله وبغطاء كامل من دول الاعتلال العربي تتوهم الحصول على بعض الفتات جراء التفاوض المباشر مع حكومة نتنياهو- ليبرمان التي خذلت كل هؤلاء وتجاهلت كل خدماتهم وبادرتهم بتسعير مخططات التهويد وخلق الحقائق على الأرض وصولاً لخلق المناخ المناسب للبدء بمخططات التهجير الكبرى.

ليس كافياً أن تعلن السلطة الفلسطينية في رام الله فشل «المفاوضات المباشرة» بسبب عدم تجميد الاستيطان، وليس من صلاحيات «لجنة المبادرة العربية» إقرار التفاوض من عدمه مع الكيان الصهيوني، لأن مهمة تلك اللجنة انتهت عملياً منذ أن تجاهل التحالف الإمبريالي الصهيوني «مبادرة السلام العربية» على كل ما فيها من تنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني.

المطلوب اليوم مصارحة الشعب الفلسطيني بفشل كل مهام السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 إثر اتفاقات أوسلو وحتى اليوم، ولا مخرج من هذا المأزق إلا الإعلان عن هذه الحقيقة والعمل على إعادة الوحدة الوطنية لصفوف الشعب الفلسطيني وعدم حصر خياراته بالانضمام إما إلى «فتح» أو إلى «حماس»، لأن القضية الفلسطينية هي قضية تحرر وطني يشكل فيها خيار المقاومة حجر الزاوية في الوحدة الفلسطينية كما تحدثت عن ذلك الوثيقة الوطنية الصادرة عن آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، فالمفاوضات لا تحرر أرضاً والتهافت وراء الدور الأمريكي لا يقيم دولةً فلسطينيةً ولا يبني وطناً.. وحدها المقاومة الشاملة كفيلة بدحر الاحتلال واستعادة الحقوق!