البريكس.. وتحديات العالم أحادي القطب
صيغ بيان إيثكويني* الختامي لقمة البريكس بلهجة غير صدامية، غير أنها واضحة بجلاء، فقد استهدفت الهيمنة والأحادية القطبية التي يمارسها الغرب
ترجمة وإعداد : ديمة النجار
لقد وضعت البريكس يدها على الوجع، فآلمت الغرب بإعلانها تأسيس بنك للتنمية بتمويل مشترك من دول البريكس برأسمال قدره 50 مليار دولار لتنافس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ووقعت اتفاقيات لزيادة التجارة الداخلية بين دول البريكس باستخدام عملاتهم المحلية بعيداً عن الدولار الأمريكي الذي يشهد حالة من التراجع كعملة احتياطية في العالم.
القارة السمراء
ركزت قمة البريكس على التنمية في إفريقيا، القارة الغنية بالموارد التي تتنافس فيها المصالح الاقتصادية، جاذبة إليها جبهات عدة من المعارك الجيوسياسية الاستقطابية في السنوات القليلة الماضية. وقد دُعيت البريكس إلى الطاولة الإفريقية عبر العضو الجديد فيها، دولة جنوب إفريقيا، التي جعلت من هذه الفرصة مناسبة لدعم الاتحاد الإفريقي.
وكان للاتحاد الإفريقي محاولات عدة لتوحيد ودمج دول القارة اقتصادياً عبر إنشاء عملة موحدة، وصندوق للتنمية. إن نجاح الاتحاد الإفريقي في هذه الجهود سيعني بالضرورة تقليصاً لنفوذ النمط الغربي الإمبريالي في المنطقة، مقللاً من الأنشطة الاقتصادية الأجنبية الاستغلالية، ومقصيةً القوات الأمريكية -الإفريقية المشتركة من التدخل في شؤون العسكرة في إفريقيا.
وقد كان في صلب أعمال القمة، عزم البريكس على أن تكون داعماً لأي جهد في إطار تعزيز «التعددية» في العالم، سواء عبر طلب مقعد في مجلس الأمن، أو بمساندتها إنشاء اقتصادات بديلة تغير توازن القوى الحالي.
سورية وإيران
رفضت البريكس الأسبوع الفائت مزيداً من العسكرة في هذه القضايا، مؤيدة الحلول السياسية التفاوضية عبر المبادرات الدبلوماسية، وعبرت عن رفضها للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب وحذرت من انتهاك وحدة الأراضي وسيادة الأمم.
يقول بيان إثيكويني حول إيران: « نحن نؤمن بأن لا بديل عن التفاوض فيما يخص القضية النووية الإيرانية... وندعم حل هذه القضية بالوسائل الدبلوماسية السياسية والحوار»
وحول سورية تدعم دول البريكس المبادئ التي ثبتها بيان جنيف كإطار للحل السياسي في سورية، بعد عامين من الاقتتال، وأكد البيان:
«نعتقد بأن البيان المشترك لمجموعة العمل جنيف يوفر أساساً لتسوية الأزمة السورية، ونؤكد من جديد معارضتنا لمزيد من عسكرة الصراع في سورية. ولا يمكن أن تتحقق عملية سياسية بقيادة سورية تؤدي إلى الانتقال المطلوب إلا من خلال حوار وطني واسع يلبي التطلعات المشروعة لجميع شرائح المجتمع السوري ويحترم استقلال سورية وسلامة أراضيها وسيادتها»
لا يمكن النظر لمواقف البريكس فيما يتعلق بسورية وإيران كمجرد بيانات سنتها قمة دوربان فحسب، فمنذ البداية، لم يكن موقفهم مختلفاً. فالبريكس كانت قد دعمت هذه النقاط بشكل أو آخر منذ إصدار أول وثيقة متعلقة بالسياسة الخارجية في تشرين الثاني 2011.
زار الرئيس الصينى شى جين بينغ موسكو، في شهر آذار الماضي، في أول زيارة خارجية له كرئيس للدولة، وقال للجمهور هناك: «يجب علينا أن نحترم حق كل بلد في العالم أن تختار بشكل مستقل طريقها للتنمية وأن تعارض التدخل في شؤونها الداخلية من الدول الأخرى»
وقد أصدر الروس مؤخراً ورقة حول تفاهم توضح أهمية مشاركتهم في بريكس- وتمثل هذه الورقة وجهة نظر من المرجح أنها تعكس أولويات مماثلة على أعلى المستويات بالنسبة للدول الأعضاء في بريكس جميعاً.
بريكس تضع خطوطها الحمراء
تعد الاعتبارات المالية والاقتصادية بالنسبة لجميع دول البريكس الدافع الرئيس وراء هذا الزخم الذي يقود إلى إضفاء الطابع الرسمي على هذا التحالف الاستراتيجي. وبحسب الروس، فإن «ثمة رغبة مشتركة من الدول الشركاء في بريكس في إصلاح الهيكل المالي والاقتصادي الدولي الذي عفا عليه الزمن، هذا النظام الذي لايأخذ بعين الاعتبار القوة الاقتصادية المتزايدة للاقتصادات الناشئة والدول النامية»، ولكن لإحداث مثل هذه التحولات على صعيد اقتصادي، لابد أن يوازيها إعادة للتوازن في السلطة السياسية في جميع أنحاء العالم.
يمكن لبلدان البريكس، وفقاً لموسكو، أن «تدعم كل وسيلة ممكنة في إطار الأمم المتحدة، لتعزيز دور مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كهيئة تحمل المسؤولية الرئيسية في صون السلم والأمن الدوليين؛ ولمنع استخدام الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، للتستر على رغبة دول معينة في إزالة الأنظمة غير المرغوب بها، وفرض حلول أحادية الجانب لحالات الصراع، بما في ذلك تلك التي تقوم على استخدام القوة.
لا يمكن النظر لمواقف موسكو بشأن قضية سورية خارج سياق مبادئ بريكس المشتركة، فالروس قد يكونون أكثر عرضة للخطر في ما يجري في سورية - كما يفعل الآخرون في إيران- ولكن هذه هي الخطوط الحمراء المتسقة في ما تأمل دول البريكس أن تحققه عالمياً..
والبريكس على استعداد للمراهنة على ذلك أيضا. إن جزءاً من الرهان يتعلق بتعثر الاقتصادات الغربية التي ذهبت بعيداً حتى الآن في مساراتها الحالية، وتبقى المسألة مسألة «الوقت» المطلوب لتحقق هذه التحولات العالمية..
من غير المرجح أن تذهب أمم البريكس بعيداً لوضع خطوط حمراء، والدفاع عن مواقعها، كما أن ذلك غير مرجح في حالات سورية أو إيران، أو من غير المرجح أننا سنشهد معارك تخوضها جيوش البريكس في وقت قريب. لكن من ناحية أخرى، ستفسح هذه العلاقات الاستراتيجية المجال للتنسيق العسكري والتخطيط المشترك، وهذا هو السيناريو الذي تسعى إليه بعض القوى في بريكس..
* إيثكويني، المدينة الإفريقية التي تضم دوربان مكان انعقاد القمة.
• عن مركز أبحاث العولمة