الإخوان المسلمون ودورهم في تنامي الفساد في السودان
ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

الإخوان المسلمون ودورهم في تنامي الفساد في السودان

عشرة أيام ومظاهر الاحتجاجات تجتاح الشارع السوداني رافعةً شعارات إسقاط النظام والتي بدأت باحتجاجات طلابية في جامعة الخرطوم، أكبر الجامعات السودانية، ثم امتدت لجامعات أخرى، وذلك احتجاجاً على تدهورالوضع الاقتصادي، والذي أجبر الحكومة على إجراء خفض كبير في النفقات، بعد أن رفعت الدعم الحكومي عن المحروقات مما أدى الى تحليق الأسعار في الفضاء، وارتفاع معدلات التضخم حتى وصلت إلى 30% كما تراجعت قيمة العملة السودانية. 

وأدت الإجراءات الجديدة الى رفع سعرالوقود ما بين 12.5 إلى 60 % وزيادة في ضريبة أرباح الأعمال على البنوك من 15 % إلى 30% إضافة إلى زيادة في ضريبة القيمة المضافة من 15% إلى 17%. وهذه الاحتجاجات لم تأت من الفراغ فبعد الانقلاب على السلطة الشرعية في السودان عام 1989 استولت السلطة الحالية على الحكم رافعة شعارات الدين والأخلاق، وظن الكثيرون أن هذا هو آخرعهد السودان بالفساد، خاصة وقد أجريت في الأيام الأولى محاكمات لمسؤولين من العهد «البائد»!. ولكن بعد فترة وجيزة من ذلك الحماس والطهر الديني، «تذوق الإسلامويون طعم السلطة، وأصبح الفساد وسيلة لكسب التأييد ولتثبيت وتقوية نفوذ الحكام بدءا من عمرالبشير إلى كل بطانته الفاسدة في الحزب الوطني الحاكم.

الفساد في السودان ظاهرة عادية

لقد نما الفساد في السودان لدرجة أنه بات يهدد سلامة البلد كوطن للسودانيين خصوصا بعد انفصال الجنوب والحركات الانفصالية الأخرى بسبب سياسات البشير الإسلاموية، وبحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي نشرعام 2006، أن السودان جاء في المرتبة 147 من 150 دولة فاسدة حول العالم. فالدولة لا تتصدى للمعتدين على المال العام والجماهير تتعامل مع تجليات وحالات الفساد وكأنها أمر واقع، والأهم من ذلك هو أن الفاسدين والمفسدين هم طليعة المجتمع ولا يحسون بالخجل والندم من فسادهم فقد اعتبرحكام السودان الانقاذيون هذا البلد ملكية خاصة، الأرض ظاهرها وباطنها وكذلك البشر. وحكموا بقوانين استثنائية مكنتهم من سجن وتعذيب واستدعاء المواطنين كما يشاؤون وأن يصادروا الممتلكات ويجمدوا الأموال ويبيعوا القطاع العام والأراضي دون حساب أو خوف من عقاب.

ومن هنا كانت بداية استباحة مال الشعب والدولة، وحدث ولا حرج عن القضايا المثارة يوميا في الصحف عن قضايا اختلاس المال العام، أوعن قصة شراء أحد الوزراء لفندق قصر الصداقة بـ 85 مليون دولار رغم حداثة سنه في العمل العام، أوعن القصور التي يمتلكها البشير وشقيقاته، وهذا النظام يعتبر نفسه نظاما دينيا مقدسا يحكم باسم حق إلهي وانه يطبق شرع الله على هذه الأرض «هي لله لا للدولة ولا للجاه» على حد قول أحدهم، ولذلك هو لا يعترف بحق الشعب في اختياره وبالتالي في محاسبته.

ويتسم النظام بطابعه الشمولي والأهم من ذلك غياب فصل السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، لكن الشريعة عند الكثيرين منهم هي ألا تنسى نصيبك وحظك من الدنيا لذلك تباروا في البناء العالي والسيارات الفخمة المظللة والأرصدة التي لا تأكلها النار وظهرالترف والنعمة الجديدة على أشكالهم وفي افراحهم واستهلاكهم وأن أوراق بعضهم أصبحت مكشوفة ولا يبالون بسترها، فأحد المسؤولين يمتلك 180 بناية متشابهة الألوان، ومسؤول آخر لخمس بنايات و 25 قطعة أرض سكنية بأحد الأحياء الراقية بالخرطوم وأضحوا يملكون من الجرأة على إغلاق الشوارع بالطول والعرض وضمها الى ملكيتهم.

و أرجع تقرير مشترك أعدته أربع لجان برلمانية أن حالات الاعتداء على المال العام البالغة 32 حالة خلال عام واحد في الفترة الممتدة من أول أيلول 2007 وحتى نهاية آب 2008، وتم البت في 9 تهم منها وما زالت 5 حالات أمام المحاكم و 17 حالة أمام الشرطة أو النيابة، فيما لا زالت حالة واحدة بين يدي رؤساء الوحدات، ولاحظت اللجان بطء الاجراءات أمام الشرطة والنيابات، ورأت ان الكثيرمن الأدلة تتقادم وتصبح صعبة المنال، وأشار التقرير الى وجود مخالفات بيئية لا تغطيها اللوائح والقوانين، وذكر أن مخازن ادارة الجمارك بمطار الخرطوم لا تتفق مع المواصفات، بجانب وجود مواد خطرة وأصباغ مخزنة بكميات كبيرة تتعرض للتسرب وتلويث البيئة حولها، وأكد التقرير وجود نسبة وفيات جراء الاصابة بالسرطان والفشل الكلوي بهيئة البحوث الزراعية، حيث إن الباحثين العاملين فيها لا يستخدمون الألبسة الواقية لعدم توفيرها لهم.

أما الفساد الاكاديمي فهو آخر اختراعات هذه السلطة الإسلاموية، حيث يستطيع الغني من الوصول إلى أقصى النتائج بأقل مجهود. فصار التساهل في منح الشهادات فوق الجامعية سمة ظاهرة، وتتسم الرسائل الاكاديمية لنيل الدكتوراة والماجستير بخلوها تماماً من شروط العمل الاكاديمي الدنيا مثل إثبات المراجع أو الاستشهاد. كما أن مضمون كثير من هذه الرسائل ضعيف ولا يصلح كمقالات حتى، وهذه دائرة شريرة في العلم تضاهي دائرة السياسة، إذ يحمل الكثيرون شهادات عليا ثم يحتلون مواقع في الجامعات ويقومون بمنح آخرين شهادات ويعيدون انتاج جهلهم وركاكتهم وأضف اليه أيضا ما يسمى بالفساد العقائدي الذي انتشر وما يزال فالسحرة والدجالون يعيثون في الأرض فساداً وإجراماً وهم في مأمن، ولدى الجهات المختصة بيانات وإحصاءات وبلاغات جرائم بهذا الصدد وهكذا يتوالد الجهل وتدور ساقية الظلام.

 والأنكى من كل ذلك أن هذا النظام السوداني يدعي الممانعة بحيث أصبح كاثوليكياً أكثر من البابا، في ما يخص القضية الفلسطينية، وكشفته إحدى وثائق ويكيليكس على حقيقته، فقد تحدثت عن وجود علاقة ومصالح متبادلة بين النظام ودولة الكيان الصهيوني الإسرائيلي!! وتبين من خلالها أن  جهاز الأمن برُمَّته كان على علم بالضربات الجويَّة في شرق السودان، والتي طالت قافلة تحمل أسلحة مهرَّبة لحركة حماس في قطاع غزة.    

                    

الفاسدون يسرقون المال العام ويهربونه للخارج

ظل المواطنون السودانيون  مغيبين عن المعلومات التي تتصل بالاقتصاد وتخصيص الموارد ودورة المال في السودان، ولا يعرف المواطنون أن نسبة 72 % من الموازنة تذهب للشرطة والأمن والدفاع فى حين ان 28% فقط تنفق على باقي القطاعات ونصيب الزراعة 2 % والصناعة 5% من الناتج المحلي فقط، وعندما جاءت الطفرة الكبرى في أسعار البترول لم يعرف الناس في السودان ماذا فعلت الحكومة بهذه الفوائض التي جاءتها (من حيث لم تحسب ولم تحتسب) لأن الموازنة كما يبدو(تمّ حسابها) على أساس سعر البرميل بكذا وثلاثين دولارًا ولكن فجأة ارتفعت أسعاره الى اكثر من مائة وأربعين دولاراً، فأين يا ترى ذهبت هذه الزيادة المهولة في الإيرادات؟

يقول الخبر الذي أوردته صحيفة «نيوسترايت تايم» الماليزية حول الاستثمارات في ماليزيا: «إن استثمارات السودانيين في ماليزيا تعد من الاستثمارات المهمة و تبلغ حوالي 7% من الرأسمال الأجنبي المستثمر فيها ويبلغ أكثر من 13 مليار دولار وهي تستثمر في العديد من المشاريع أغلبيتها في مؤسسات البترول والصناعات التحويلية والعقارات وغيرها من الاستثمارات المختلفة ». وهناك رأس مال سوداني في كل من «تايوان والصين في منطقة شنغهاي التجارية وسنغافورة وهونج كونج» وهذا غيرالأموال المستثمرة في دبي والبحرين وهي مليارات الدولارات كما أن البنوك البحرينية تدفع فوائد أكثر من 12%، لذلك هناك مدخرات سودانية تفوق 600 مليون دولار تعمل بنظام الفوائد وهؤلاء لا يمكن أن ينقلوا أموالهم مرة أخرى للسودان، وأغلبية هؤلاء من القيادات في السلطة، وبالتالي خرجت الأموال من السودان، ليس لكي تعود مرة أخرى إنما خرجت كتأمين لأموالهم و 90% من تلك المدخرات تخص قيادات في الدولة وأعضاء في الحركة الإسلامية.

الحزب الشيوعي السوداني في طليعة المحتجين

وأخيرا نقول إنه بعد أن قام النظام بتسييس الدين وتديين السياسة بصورة سافرة، أسقطت كل منابع الحياء والقيم الأخلاقيَّة النبيلة، ولم يكن ثمة هدف يُذكرُ من وراء ذلك، سوى الإمساك بتلابيب السلطة حتى لا ينازعهم فيها أحد، وأصبح تغييره مرتبطا بمكافحة وبتر الفساد. والوضع السوداني لا يختلف عن باقي الدول العربية التي تواجه مثل هذه الأزمة فالتناقض التناحري بين القوى المنتجة «جماهير الشعب بما فيها الشغيلة» وعلاقات الإنتاج المفروضة من السلطة الغاشمة وأجهزتها الأمنية القمعية لن ينتهي إلا بتغييرهذه العلاقات التي أضحت سدا يقف في وجه تطورالقوى المنتجة ونتج عنها أن تحول الاقتصاد من اقتصاد منتج الى ريعي، أما اجراءات مكافحة الفساد التي بشر بها البشير «فإنها ليست إلا إجراءات إدارية  الطابع  لن تحدث أي تحسن يذكر في رفع المعاناة عن المواطنين  ناهيك عن  سياسة تضع حلاً للأزمة الشاملة. ولن نمل تكرار أن الحل يكمن في خروج المواطنين إلى الشارع لإسقاط هذا النظام الذي لم يترك أي بديل آخرغير ذهابه غير مأسوف عليه» كما جاء في البيان الأخير للحزب الشيوعي السوداني وهاهي آخر الاخبار تتحدث عن انتقال عدوى الاحتجاجات من الطلبة إلى الطبقة العاملة ثم المحامين والتي ستعم كل أطياف الشعب السوداني قريبا.