نكبة تَلِدُ نكبات!
بينما يستعد الفلسطينيون لإحياء ذكرى نكبتهم الأولى التي ستدخل في الخامس عشر من أيار/ مايو عامها السادس والستين، كانت مدينة القدس على موعد مع أعضاء العصابات الصهيونية من شبيبة الأحزاب الفاشية/العنصرية، الذين حددوا ذكرى تاريخ اكتمال احتلال المدينة في الحرب العدوانية التوسعية عام 1967 «وحدة مدينة القدس»، ليتحركوا في «تسونامي» بشري قارب عدده ستين ألف مستعمر، مارسوا حقدهم بمسيرات عبر بوابات المدينة، بالصراخ والنعيق ضد أصحاب الأرض الأصليين (الموت للعرب)، واعتداء على المواطنين والممتلكات
قامت أجهزة الحكومة الأمنية باعتقال العشرات وفي مقدمتهم الشيخ محمد حسين مفتي القدس. تجمعت تلك القطعان السائبة في حلبات للرقص الغرائزي، على دماء الفلسطينيين وعلى خراب مدينتهم . لم يكن جيش العدو المحتل، ولا أجهزته «الأمنية» العدوانية الأخرى، بعيدة عن الحدث. كانت قوات الكيان القمعية من جنود وشرطة ومستعربين، مستنفرة في شوارع المدينة وعند بواباتها وحول المسجد الأقصى لحماية الغوغاء الصهاينة، ولتفريق تجمعات المواطنين العرب التي حاولت التصدي للمستعمرين. أجهزة الإعلام وشبكات المراسلين لم تسلم من همجية الأجهزة العسكرية والشرطية. كان المستعمر/المجرم يحاول إخفاء جريمته، بإبعادها عن أجهزة التصوير والبث الفضائي. قاوم الإعلاميون/ات، وحشية المستعمرين، واستطاعوا بالصوت والصورة، النقل الحي والمباشر لأبرز ماشهده مسرح الجريمة.
لم يكن الحدث، مفاجئاً. الجزء الشرقي من المدينة الذي تتسارع فيه محاولات تهويده وصهينته منذ احتلاله عام 1967، يتعرض منذ عدة أسابيع، لحملة إعلامية، رسمية وحزبية، تدعو لفرض صلوات يهودية/تلمودية في المسجد الأقصى، تمهيداً لبناء هيكل أسطوري على أرضه، وتحويل أجزاء واسعة منه، لمساحات يمارس فيها المشعوذون، هلوساتهم الدينية. وبحسب ما أصدرته عدة مؤسسات أهلية بالمدينة، فإن عدة قيادات رسمية _أعضاء في الكنيست_ وحزبية من قادة التحالف الحكومي الأخير(ميري ريغف من الليكود، وروت قدرون من يوجد مستقبل، وشولي ريفائيلي من البيت اليهودي) دعت إلى إقامة الصلوات اليهودية في المسجد الأقصى والشروع في بناء الهيكل المزعوم .
منذ الساعات الأولى التي أعقبت تشكيل حكومة العدو الجديدة، كانت تحالفاتها تؤكد أنها حكومة «المستوطنين»، التي جاءت مواقفها الداعمة لتنفيذ خطة «شيرانسكي» التهويدية لمنطقة حائط البراق، لتكشف مضمون برنامج العمل الإئتلافي للكتل الحزبية، الهادف، استكمال تهويد منطقة المسجد الأقصى وتوسيع المستعمرات وبناء المزيد منها. لم يكن»نتان شيرانسكي» يغرد خارج السرب الصهيوني، بل كان هو الأكثر قدرة على تجميع الرؤى وتقديمها عبر صياغة متماسكة_ من وجهة نظر استعمارية_، خاصة، لموقعه في رئاسة الوكالة اليهودية، ولسجله الأسود في حكومة شارون 2005 التي استقال منها احتجاجاً على خطة الانسحاب من قطاع غزة.
صحيفة «هآرتس» كانت قد نشرت تقريراً عما تهدف إليه خطة شيرانسكي (ستعمل على إحداث تغييرات على منطقة حائط البراق تقضي بتوسيع الساحة ورفع مستوى الأرضية الحالي، لتتشكل في المنتوج النهائي ساحة واسعة تمتد من الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى باتجاه الشمال لتصل حتى منطقة المدرسة التنكزية، علماً بأن هذه المنطقة كانت بالأصل تشكل بالإضافة إلى حائط البراق، حي المغاربة، الذي دمره الاحتلال عام 1967، وحوّله وحائط البراق من الخارج إلى كنيس يهودي كبير). وبتنفيذ هذا المخطط ، كما تشير»مؤسسة الأقصى للوقف والتراث» (يتم تدمير وطمس ما تبقى من آثار إسلامية عريقة تابعة للمسجد الأقصى المبارك، فمن ضمن اقتراحات المخطط رفع مستوى الأرضية ما بين الجهة الجنوبية الغربية للجدار الغربي للمسجد الأقصى_ الجدار الخارجي لمسجد النساء ومصلى المتحف الإسلامي التابعين للمسجد الأقصى وما بين طريق المغاربة_، وفتح هذا الجزء مع حائط ومنطقة البراق لتشكل وحدة واحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى طمس كل المعالم الإسلامية وتهويدها).
خلال الأيام القليلة الماضية، صَعدّت حكومة العدو من إجراءاتها القمعية والتوسعية . فمابين هدم المحلات التجارية في جنين وحملة الاعتقالات في العديد من مدن وبلدات الضفة الفلسطينية، واستباحة ساحات المسجد الأقصى، والاعتداء على الكنائس، وتقطيع الأشجار. يتم الإعلان عن المصادقة على بناء حوالي 300 وحدة استيطانية في مستعمرة «بيت ايل» بالضفة المحتلة. يأتي كل ذلك في البيئة التي وفرها الموقف الرسمي للنظام العربي وسلطة الحكم الذاتي، كما ظهر في اجتماعات واشنطن، بين الوفد السباعي «لجنة الجامعة» والإدارة الأمريكية. فقد ساعدت تلك المواقف حكومة العدو على الإسراع في تنفيذ سياستها التوسعية، والعمل مع داعمتها وممولتها الأساسية، الحكومة الأمريكية، من أجل الذهاب لخطوات متسارعة تفضي لتحويل حلم الحركة الصهيونية/الاستعمارية على يد دعاة الاستسلام في النظام العربي، إلى واقع يتحول فيه الكيان لـ»دولة الشعب اليهودي». هذا الحلم الذي تعمل على فرضه منذ عقود داخل الوطن المحتل منذ عام 1948، الحومات المتعاقبة، في الحملات العنصرية/الإجلائية المعادية للعرب كما تشهده عدة مدن تحت عناوين الحداثة والتطويرالمضللة، خاصة، برنامج «تطوير النقب» أي «تهويده»، الذي تم تشريعه مؤخراً، عبر مصادقة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع على تنفيذ خطة «برافر- بيجن» لتنظيم سكن المواطنين العرب في النقب الذي يقارب عددهم المائتي ألف نسمة. من الواضح أن كل المحاولات المتكررة من عدة لجان حكومية، لتسهيل تمريره تحت تعديلات وتحسينات شكلية قد أصبحت مكشوفة. فالحقائق الدامغة، تؤكد أن المخطط يهدف هدم مايقارب عشرين قرية غير معترف بها، وتهجير أكثر من 45 ألف مواطن من قراهم التي يقيمون فيها قبل الغزو الصهيوني وإقامة الكيان.
أمام خطة حكومة العدو الاحتلالية/الإقصائية/العنصرية، تبرز أهمية تشديد النضال الوطني/التحرري لمواجهة الوجود الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية، ببرنامج عمل يصوغ المهمات في إطار مواجهة الكيان وإفرازاته. كما تتطلب السياسات العدوانية والتوسعية لحكومة العدو، المدعومة أمريكياً من قوى المقاومة العربية في كل أقطارها، خاصة في فلسطين التاريخية ودول الطوق، إعادة ترتيب صفوفها، وتمتين البنى المجتمعية فيها، وتحديد أولوياتها، في بناء أدواتها الكفاحية المقاتلة، من أجل مواجهة العدو الإمبريالي/الصهيوني وتحرير الأراضي المحتلة.