ملوك الطوائف إتمام لمشروع الاحتلال
يبدو أن احتلال الولايات المتحدة للعراق كان إعلاناً عن بداية تراجع الدور الأمريكي، على خلفية الأزمة الرأسمالية العالمية، وهو ما تم إخفاؤه خلف ستارة الحرب ضد الإرهاب، استمرت بعدها الولايات المتحدة باحتلال العراق تسعة أعوام كانت كفيلة بالقضاء على بناه التحتية والفوقية، بالرغم مما نعرفه عن غنىً يشمل كل جوانب هذا البلد العريق.
يعيش العراق الآن تداعيات جديدة فرضتها التطورات الإقليمية التي حدثت في الأشهر الأخيرة، ولم يكن من المفاجئ انسحاب القوات الأمريكية، منه بل على العكس تم الانسحاب وفق التوقعات التي رافقت تطور الأحداث في المراحل الأخيرة، إذ كان الانسحاب هروب أميركا من أزمتها في العراق وما رافقها من خسائر بشرية ومادية لم تعترف بها القيادات العسكرية بعكس ما يحدث الآن، فقد تم الاعتراف بخسائر حرب العراق والتي قدرت بثلاثة تريليون دولار، لكن رغم ذلك بقي العراق تحت الوصاية الأمريكية، إذ لايغيب عن الذهن تشكيلة الجيش العراقي الجديدة والمركبة على شاكلة المارينز الأمريكي والسفارة الأمريكية في العراق، والتي تعد من أضخم السفارات في العالم حيث تضم حوالي 16 ألف موظف، أما الأهم من كل هذا هو ارتباط الطبقة السياسية بشكل واضح بالسياسة الأمريكية وبالوقت نفسه ظهور حالة الفوضى التي تصر الولايات المتحدة على تكريسها في كل بلد تحتله لإبقاء سيطرتها عليه وبالتالي التحكم بثرواته.
وهكذا بدا العراق بعد الاحتلال مفككاً سياسياً إذ تبدو الطبقة السياسية في البلاد منفصلة عن الواقع العراقي، وهذا ما يفسر تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالإضافة للانفلات الأمني الذي يظهر واضحاً بحالة التفجيرات التي أشعلت نيران الطائفية بين صفوف الشعب العراقي، مما أدى إلى تقسيم العراق إلى مناطق سنة ومناطق شيعة، وهو ما يكرس التبعية لأمريكا.
وها هي تظهر اليوم حقيقة الخلاف في الحكومة العراقية، حيث يبدو أن الأزمة السورية ترمي بظلالها على جاراتها فحكومة المالكي التي أعلنت عدم إشراك العراق في المشكلة السورية لم ترُق للولايات المتحدة حيث قامت بتحريك أوراقها ضدها.
إن زرع حكومات كهذه غير مستقلة بقرارها السياسي وغير متفاعلة مع شعوبها سوف يجعل التدخل في قراراتها لاحقاً سهلاً وهو ما يضر في المرحلة الراهنة بشدة، وما هذه الحالة برمتها إلا تكريساً للفشل الحكومي في العراق.
وعلى هذا الأساس تقوم القوى التي تقود مناطق العراق والتي ظهرت كنتاج طبيعي للإنقسام الطائفي بمحاولة إيجاد صيغ جديدة تضمن بقاءها، من أجل إبعاد خطر تشكل فضاء سياسي جدي وليس على أساس صراعات وهمية بل على أساس واقع اقتصادي واجتماعي متدهور مضافاً إليه الشعور بحالة التراجع بسبب الاحتلال وما خلفه من ظروف.
لقد كان الفراغ الذي كرسه الاحتلال بعد تدمير الدولة العراقية سبباً أساسياً في نمو التنظيمات المتطرفة في العراق، سواء من كان منها ينتمي إلى النسيج العراقي أو تنظيم القاعدة، وهي أدوات تسويق للسيطرة الغربية وتنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة لتحقيق أهداف الرأسمالية العالمية.
ما جرى في العراق هو جزء من السيناريوهات التي يتم على أساسها تقسيم دول المنطقة استناداً إلى غياب الحوامل الداخلية القادرة على تجاوز أزمات هذه البلدان، وذلك بسبب ممارسات الأنظمة التي تحكمها حيث ركزت على قتل الحياة السياسية في بلدانها وتغييب دور الشعوب فيها.
العراق الذي يعيش اليوم في ظل طبقة سياسية هشة ومفككة ويهتز يومياً بسبب التفجيرات، والذي ما زال يقدم أبناء شعبه قرابين للطغاة والغزاة منذ قرون ويكرر تجربته، سوف يعيد ترتيب أفكاره من جديد وسيخلق الفضاء السياسي فيه جيلاً جديداً يدرك الواقع الاقتصادي الاجتماعي ويثور على جميع التناقضات.