وطن المقاومة والتحرير يغتال مقاومة التغيير الديمقراطي
الخامس والعشرون من أيار عام 2000، يوم تاريخي مجيد في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني منذ نكبة فلسطين 1948 هو يوم الانتصار والتحرير اللبناني على عدو صهيوني انهزم أمام إرادة صمود شعبنا وخياره الوحيد في المقاومة والتضحية والمعاناة حتى أزال غيمة الاحتلال وأعاد شمس الحرية والتحرير
25 أيار 2000 هو نتاج لفعل مقاومة وطنية انطلقت في 16 أيلول عام 1982 عندما دنس العدو الصهيوني المحتل أرضنا، يومها لم ينتظر شعب لبنان بقواه الوطنية والتقدمية واليسارية قراراً جمهورياً أو ملكياً أو اجتماعاً لمجلس جامعة الدول العربية، أو فرماناً من الأمم المتحدة لتحديد خياره. ليقينه الثوري أنهم المساهمون جزئياً أو كلياً وفي أحسن الأحوال من خارج مفهومنا للمقاومة.. يومها لم تعط «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» فرصة للعدو المحتل في التبجح، ولا فسحة لأذنابهم الرجعيين والملتحقين والخائفين على عروشهم وكروشهم في المساومة على حق شعبنا في المقاومة حتى إنجاز التحرير.
كانت «جمول» حاضرة بمشروعها الوطني التحرري.. كبر شعبنا بمقاومته، وكبرت المقاومة الوطنية بجماهيرها الوطنية العابرة لطوائف الحرب الأهلية، ولم تبخل هذه الجماهير من شمال لبنان إلى جنوبه وبقاعه وجبليه وإقليمه وبيروته وساحله، لا في تقديم الشهداء ولا في تحمل الأسر والاعتقال. كان الوطن يقاوم لأجل تحرير الوطن، كان الوطن يحمل بندقيته ونعشه وحلمه في صناعة وطن التحرير والتغيير الديمقراطي...
في 25 أيار عام 2000 تحقق نصف حلم المشروع الوطني في التحرير، أما نصفه الطبقي الوطني في التغيير الديمقراطي فما زال يواجه تعقيدات ومعوقات طبقية نقيضة بدأت في محاولة الالتفاف والتضييق لمشروع المقاومة الوطنية الشامل، والانتهاء بعملية الفصل التام بين مهمتي التحرير والتغيير.
مشروع الشرق الأوسط الكبير، ثم الجديد، أو المشروع الاستعماري الإمبريالي- الصهيوني الجديد هو مشروع أكبر من المشاريع الفئوية أو الطائفية، ولو كانت مقاومة أو ممانعة، ولو حققت إنجازات كبيرة في إكمال عملية المقاومة الإسلامية ضد العدو الصهيوني، أو في الانتصار التاريخي الثاني في عام 2006، بدليل ما يجري اليوم في كل المنطقة بدءاً من القضية الفلسطينية، وانتهاءً في سورية ولبنان.
لمواجهة هذا المشروع الخطير، بأبعاده ووظيفته وأهدافه التفتيتية والتقسيمية، نحن أمام مهمتين متلازمتين موضوعيتين: مقاومة المشروع الأميركي– الإسرائيلي– المدمر لأوطاننا ولمجتمعاتنا التواقة لمسار التحرير والديمقراطية والتقدم، ومقاومة أنظمة البؤس واليأس والقهر والظلم.. بمعنى مقاومة تحررية شاملة. والربط بين الاثنين، هو مشروع حركة التحرر الوطني العربية، وهذا يعني أن تشكل المقاومة الوطنية أولوية في مواجهة السياسات الخارجية العدوانية، وأن يشكل النضال الديمقراطي ضد الاستبداد والتقسيم والتطييف والتخلف رأس حربة مقاومة من أجل التغيير الجذري وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
فكما يستحيل تحرير الوطن من دون مقاومة، فإنه من المستحيل خلق مناعة لمقاومة الوطن من دون بناء الوطن الموحد الديمقراطي العلماني، ومن بوابة الإصلاحات الجذرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا من شبابيك الطائفية والغيتوات المذهبية التي تكاد تقضي، ليس على انتصارات مقاومة هذا الوطن، إنما هي حتماً وبممارسات «ديوك الطوائف» ستقضي على الوطن برمته.
اليوم، يقف لبنان أمام مفترق خطير، وديوك السلطة يصيحون لإيقاظ كانتوناتهم الطائفية، ويستنفرون كل مفردات اللغة الطائفية والمذهبية بحثاً عن مقعد بالزائد هنا أو هناك، يهولون على بعضهم البعض، ويتشاطرون على بعضهم البعض، وشعب هذا الوطن يكفر بهم فرداً فرداً، وكتلاً وأحزاباً، وطوائف ومذاهب، لا شيء لدى هذه الطبقة السياسية المسيطرة تقدمه سوى المزيد من التفتيت والتقسيم والجوع والفقر والبطالة والهجرة، وآخر ابتكاراتها بعد سياسة النأي بالنفس، والنأي عن قضايا شعب هذا الوطن....
الفراغ الدستوري في لبنان بات أمراً واقعاً، والأزمة في لبنان وسورية وفلسطين إلى المزيد من لعبة النار والحديد، والمنطقة أمام مرحلة مخاض كبير جداً، فإما أن تضيع انتصاراتنا في متاهات الفتنة والصراعات الداخلية، أو المساومة الطائفية، وهذا هو «عز» الطلب المنشود لمشروع الشرق الأوسط الجديد، أو أن نسعى لتعزيز ودفع قوى المقاومة والديمقراطية في خلق مناخ وطني نقيض، يدعم مقاومتنا الوطنية ويحصنها، ويعزز قوة مواجهتنا من خلال إنجاز إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية، وأولها إلغاء الطائفية، لتغذية عوامل وحدة لبنان وعروبته وتطوره الديمقراطي. هذه المهمة الوطنية تاريخية أيضاً، كما مهمة استكمال مهمة المقاومة الوطنية، لا مكان لخيارات تبريرية أو ملتبسة أخرى، كونها لن تفضي إلى تحقيق النصف الآخر من حلم التحرير بالتغيير الديمقراطي.
تحية إلى كل شهداء المقاومة الوطنية والإسلامية والى أسرانا الأحرار.. وتحية إلى شعب لبنان المقاوم الصامد العظيم.
سمير دياب : عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني