التخلص من «عبء» أفغانستان

التخلص من «عبء» أفغانستان

مع بدء تجلي الأزمة الرأسمالية الراهنة، كان إعلان الحرب على أفغانستان لتكون طلقة إعلان ما سمي بالحرب على الإرهاب، والتي أخذت شكل حرب مفتوحة حسبما تقتضيه المصالح الأمريكية، على عادة صاحب الجلالة الرأسمال في الأزمات حيث يصبح العالم كله مجالاً حيوياً له،

 

 

 لتكون الحرب على الإرهاب تبريراً ايديولوجيا لمصالح رأس المال، وبمعنى أدق إحدى أدوات الهيمنة والتحكم لمزيد من التوسع والنهب، وتغذية شرايين الاقتصاد المأزوم ولو كان على جماجم البشر، أليست الحرب هي الرئة التي تتنفس منها الرأسمالية؟

وبعد مخاضات عديدة، ومكابرة أطلسية على مدى سنوات بتحقيق الانتصار جاءت الوقائع لتفند بطلان الدعاية الغربية عموماً والأمريكية على وجه الخصوص بامكانية تصدير الديمقراطية على حاملات الطائرات، أو على أجنحة طائرات الشبح، لتأتي قمة الاطلسي الأخيرة والموقف الباكستاني من قضية الدعم اللوجستي وموقف الرئيس الفرنسي الجديد لتكشف المستور أكثر فأكثر وصولا إلى الإقرار بأن هذا البلد الأسيوي أصبح عبئا على المجموعة الدولية، كما صرح بذلك حامد كرزاي الموظف السابق في شركات النفط الأمريكية، والمعتمد الأمريكي لاحقاً للرئاسة الأفغانية.

وكان قد سبق ذلك تباحث الرئيس الأمريكي باراك اوباما وحلفائه في حلف شمال الأطلسي حول الجوانب اللوجستية لإنهاء حرب أفغانستان بعدما تعهد الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بأن لا تبقى بلاده «عبئا» على المجموعة الدولية بعد الآن.

وعلى الرغم من أن حضور الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري القمة أنعش الآمال بأن تكون حكومته مستعدة لفتح طريق إمدادات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان لكن المفاوضات حول هذه المسالة تعثرت حول مطلب باكستان تقاضي رسوم مرتفعة على عبور الحافلات للحدود.

وكان زرداري، مع زعماء حوالي 30 دولة أخرى ومنظمة دولية إلى جانب رؤساء دول وحكومات حلف شمال الاطلسي الـ 28، قد انضم للمحادثات في شيكاغو التي كان يهدف منها اعتماد استراتيجية الانسحاب والحصول على تعهدات حازمة من الحلفاء لتدريب القوات الأفغانية.

وقبل القمة أجرى أوباما محادثات مع كرزاي، بعد ثلاثة أسابيع على زيارته المفاجئة إلى كابول حيث أبرم الرئيسان اتفاقا أمنياً لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الدولية في أواخر 2014.

وبالرغم من أن الرئيس أوباما حاول تلطيف الأجواء بقوله «نحن واثقون من أننا على الطريق الصحيح، ما تعكسه قمة الحلف الاطلسي هو أن العالم يقف وراء الاستراتيجية التي وضعناها».

لكن، وفي إشارة على نفاد الصبر المتزايد ضمن أعضاء الحلف، رفض الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند التراجع عن قراره سحب الجنود في 2012، أي أبكر مما هو مرتقب بسنة. وفي تصريح لافت للانتباه قال «لقد أبلغت الجميع بأن هذا الأمر غير قابل للتفاوض لأنها مسألة تتعلق بالسيادة الفرنسية والجميع كان متفهماً» مشيراً إلى أن فرنسا ستواصل تدريب القوات الأفغانية بعد 2012.

 وحسب «فرحة الله بابار» المتحدث باسم زرداري في بيان بعد اجتماع الرئيس الباكستاني مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على هامش اجتماع القمة ذكر أن «الرئيس قال إن باكستان تريد إيجاد حل دائم لقضية الطائرات بلا طيار لأنها لا تنتهك سيادتنا فحسب وإنما تلهب مشاعر الناس»، ولم يحدد البيان الحل الذي قد يترتب على ذلك.

وحسب وكالات الأنباء فإن وتيرة الهجمات التي تشنها الطائرات بلا طيار زادت بشكل كبير منذ تولي الرئيس باراك أوباما الرئاسة في عام 2009، وتعد هذه الهجمات محور استراتيجية أمريكية لقتال المتشددين في باكستان. ودعا زرداري أيضا الولايات المتحدة إلى بذل المزيد لتقديم تعويضات عن قتل 24 جندياً باكستانياً خلال غارة لطائرة أمريكية على حدود أفغانستان في نوفمبر تشرين الثاني، حيث تطالب باكستان منذ مده بتقديم اعتذار على مستوى رفيع عن ذلك الحادث وهو أمر يرفضه البيت الأبيض حتى الآن..

وأبدى زرداري تأييده أيضا للجهود الرامية إلى التوسط في اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان التي يعتقد أن زعماءها يعيشون في باكستان وقال بابار إن «الرئيس قال إن باكستان تؤيد بقوة عمل مصالحة بين الأفغان وبقيادة أفغانية وتعتقد أنه لا يمكن التوصل لحل دائم لمشكلة التشدد والتطرف من خلال الحل العسكري وحده».

ومن الجدير بالذكر أن دول شمال الأطلسي عموماً والولايات المتحدة خصوصاً تعمل بعد فشلها الذريع على «الهرب» من أفغانستان، وربطها بسلسلة اتفاقات ظالمة تبقي على حماية المصالح والهرب من دفع المزيد من الخسائر والفشل لاسيما وأن التجربة مع أفغانستان كانت تقدم كنموذج لإدارة الحرب على الإرهاب ونشر «الديموقراطية» المزعومة التي ينوي تجار الحروب تعميمها، تحت راية الحرب على الارهاب.